“حواري”..جبلٌ سقطريٌ شامخ يحرس مدينتين أثريتين

قشن برس –  خاص

“طبيعة جميلة فريدة وتاريخ مميز، إضافة إلى كونه حصنا منيعا يتسم بالجاذبية والثبات”.

هذه بعض كلمات قد تحكي جزءا من جمال وأهمية “جبل حواري” الشهير في أرخبيل سقطرى اليمني الاستراتيجي.

ففي يوم غائم تميزت به مدينة حديبوه عاصمة أرخبيل سقطرى، وتحديداً في الساعة العاشرة والربع صباحاً؛ قبل نحو أسبوع، استقليت سيارة أحد الأصدقاء، بهدف زيارة وتصوير”جبل حواري”الذي يعد أحد المعالم الطبيعية المرتبطة بأحداث ووقائع تاريخية.

لقد شهد الجبل الشامخ على معارك وحروب ضارية خاضها السقطريون ضد الاحتلال البرتغالي والروماني في القرن الخامس عشر وفي حقب زمنية أخرى.

يقع هذا الجبل في الضاحية الشرقية لمدينة حديبوه، ويبلغ ارتفاعه حوالي 1000 قدم عن سطح البحر، ويتمتع بمكونات جيولوجية وبيولوجية فريدة عن باقي جبال الأرخبيل.

هذا الجبل الفريد يطل على مواقع وأحياء تاريخية مندثرة سكنها السلاطين وحكام الجزيرة، وتغنى بجماله الشعراء، وأصبح رمزا للصمود والشموخ والقوة والعزة.

فهو جبل صخري تحيط بقسمه العلوي رمال ناصعة البياض، بمثابة لباس مميز تكون بواسطة عوامل التعرية عبر الأيام والسنين الماضية، ونتيجة وقوعه بجوار البحر وشواطئه الرملية.

أما من الناحية البيئية، فيحتوي قسماه الجنوبي والغربي على نباتات بيئية، فيما القسمان الشرقي والشمالي، يشملان كثبانا رملية زحفت حتى اعتلت وامتطت صدره حتى العناق ، وكأنه الدفء والإحساس بالأمان والاتحاد في مواجهة صعاب الحياة.

يعده مؤرخون بأنه قلعة صمود وحصن منيع، تحصن به المقاتلون من أبناء الأرخبيل إبان الاحتلال البرتغالي، واتخذوه منطلقاً على الأعداء، وإليه يعودون في عمليات الكر والفر، ويدحرجون كميات من الصخور على رؤوس المحتلين.

حارس مدينتين

يطل جبل حواري على أقدم مدينتين تاريخيتين الأولى تسمى (شاق) تقع أسفل الجبل، من جهة الغرب ويفصل بينهما وادي شاق الخصيب الذي اشتهر بزارعة النخيل المثمرة، وجلها ملكا للسلاطين والأثرياء من السكان، فيما ينبع الوادي  من سلسلة جبال حجهر ويصب في البحر.

و(شاق) مدينة أثرية كان يقطنها الحكام منذ الأزل نظراً لوقوعها على ضفة الوادي، وعلى ساحل البحر، ما ساهم في جمال وجاذبية العيش فيها.

وقد استخدمها الرومان مدينة تجارية لبيع وتصدير المنتجات والبضائع، كالعسل والمر والصبر واللبان الذي كانت تشتهر به سقطرى على مر العصور.

وبنيت في المدينة كنائس، حيث يحكي أبناء الأرخبيل أن مجموعة من المسيحيين كانوا يتعبدون ويصلون بها ،إلى ماقبل 80 عاماً حينما يزورون سقطرى.

إلا أن ضعف الوعي وعدم الإدراك من قبل السكان بأهمية هذه الآثار، أدى إلى العبث بموقعها، وقد شاهدت شخصيا ماتبقى من آثار الكنيسة المسيحية.

المدينة الثانية التي يطل عليها الجبل؛ هي (حولف) التاريخية التي تعتبر معقل السلطان سالم بن حمد بن سعد بوشوارب الطوعري بن عفرار، سلطان سقطرى في وقت سابق.

وتعرضت هذه المدينة  في حقب تاريخية سابقة، إلى إغراءات، حيث تم تقديم عروض باهضة إلى حكامها لبيعها وشرائها من قبل الطامعين الغزاة؛ لكن دون جدوى، وبقيت عبارة شهيرة لأحد حكامها أثناء مفاوضات البيع وهي قوله (لو ملئت هذه الدار ذهباً، وكل كنوز الدنيا لن أبيع مدينتي).

أساطير الجبل

نظراً للأهمية الاستراتيجية التي حازها جبل حواري، نسجت حوله حكايات وقصص أسطورية ما زالت متداولة حتى الوقت الحاضر.

ونتيجة وجود نخلة في قمة الجبل، وتسمى بالسقطري شجرة مريم (صرفانه)واسم الجبل حواري، برزت معتقدات قديمة تتوارثها الأجيال، حيث تزعم أن هذا الجبل هو مكان ميلاد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام؛ ونسبوا اسم حواري لأنصار عيسى (الحواريين).

التغني بالجبل الفريد

تغنى شعراء الأرخبيل السقطري بالجبل، بقصائد وأبيات كثيرة منذ القدم، وذكروه في مساجلاتهم الشعرية كرمز للقوة والصمود والثبات أثناء الشدائد، وكشاهد على الأحداث وتاريخ الحروب التي دارت في المدن التي يطل عليها.

وفيه تغنوا بأوصاف الجبل، كالشموخ والعلو والاعتزاز بالذات والثبات الدائم أمام الصعاب والظروف القاسية.

اترك تعليقا