“كورونا” يهدد سقطرى بعد فتح الأجواء أمام الرحلات الدولية دون إجراءات

عندما بدأ فيروس كورونا في التفشي بسرعة في جميع أنحاء اليمن خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار 2020، نجت سقطرى من الجائحة إلى حد كبير. يعود هذا بشكل كبير إلى عزلة أرخبيل سقطرى.

يقول الصحفي الفرنسي “كونتين مولر” في تقرير نشره “مركز صنعاء للدراسات”، نظرًا للقيود التي فرضتها الحرب على خيارات السفر، لم يكن هناك أواخر عام 2020 سوى عدد قليل من الطرق المنتظمة التي تربط بين حديبو، المدينة الرئيسية في الجزيرة، والبر اليمني، ورحلات جوية من مطار سيئون، وقوارب من المكلا وعدن، بالإضافة إلى سفن الركاب من صلالة في سلطنة عمان.

يواصل: بداية 2021، استأنفت شركة السعيدة للطيران رحلاتها الدولية المباشرة إلى سقطرى عبر دبي، على الرغم من إلغائها الشهر التالي. وفي مارس/آذار، أنشأت العربية للطيران -شركة طيران منخفضة التكلفة ومقرها الشارقة- طريقًا منتظمًا إلى الجزيرة عبر أبو ظبي. وهكذا أصبح لدى العائلات السقطرية -التي تعيش في الإمارات والتي يقطن الكثير منها في إمارتي عجمان ورأس الخيمة- وسائل ملائمة للسفر إلى لجزيرة ذهابًا وإيابًا منذ يناير/كانون الثاني. كما عاد السياح ومعظمهم من الغرب لزيارة الجزيرة، ما مثّل دفعة للاقتصاد المحلي، ولا سيما قطاع السياحة ومن يعمل فيه من منظمي الرحلات السياحية المحلية والمرشدين والسائقين والفنادق، لكنه وفر أيضًا جسرًا جويًّا لتفشي فيروس كورونا ووصوله إلى سقطرى.

طُلب من السياح الأجانب تقديم فحص كورونا (PCR) يثبت عدم إصابتهم بالفيروس قبل صعودهم الطائرة في الإمارات وإجراء فحص دم عند الوصول، ولكن من دون فرض أي حجر صحي عند وصولهم إلى الجزيرة. كما لوحظ عدم استخدام السكان المحليين أو السياح في سقطرى الكمامات بشكل دائم. وعلى عكس ما فُرض على السياح الأجانب، لم يُفرض على اليمنيين المسافرين إلى سقطرى من البر الرئيسي تقديم فحص كورونا (PCR) يثبت عدم إصابتهم بالفيروس قبل السفر.

خلال الأشهر القليلة الأولى من عام 2021، بدت الحياة في الجزيرة كما كانت عليه قبل الوباء، وغالبًا ما أخبر المرشدون المحليون السياح أن سقطرى خالية من فيروس كورونا. ولكن كان لاستئناف السفر الدولي عواقب سلبية، فخلال الأيام الأربعة الأولى من شهر أبريل/نيسان أُصيب أكثر من 40 سقطريًّا بالفيروس وفقًا للدكتور سعد القدومي من مستشفى خليفة بن زايد، المستشفى الرئيسي في سقطرى المموّل من الإمارات، والواقع في العاصمة حديبو. قال القدومي: لا تزال الجزيرة مفتوحة للزوار، ولا يخضع المواطنون القادمون من حضرموت والمهرة لفحص كورونا، وما زالوا يتنقلون بحريّة بين الناس في الأسواق والشوارع”.

كشف موظف سقطري في مستشفى خليفة بن زايد تحدث إلى مركز صنعاء شريطة عدم الكشف عن هويته أن 19 من أصل 25 فحص كورونا أُجريت يوم الأول من أبريل/نيسان كانت إيجابية. صحيح أنها عينة صغيرة إلا أنها مرتفعة بشكل خطير. وقال: “ماتت جارتي، وهي سيدة كبيرة في العمر، بسبب فيروس كورونا، وعدد الحالات يتزايد كل يوم، ولكن لا أحد يرتدي كمامة”.

ما يجعل الأمر أكثر خطورة هو عدم وجود غرف حجر صحي في مستشفى خليفة، ما يعني أن سقطرى لديها الحد الأدنى من الموارد للتعامل مع تفشي جائحة كورونا. قال الدكتور القدومي لمركز صنعاء: “لدينا أربعة أجهزة تنبيب وأربعة أجهزة تنفس للجزيرة بأكملها. هذا ليس كافيًّا، لكنه أفضل من لا شيء”. وأضاف أن المرافق الطبية بالجزيرة عادة ما تزوّد بالأكسجين من حضرموت، لكن الرياح العاتية في فصل الربيع تحد من عمليات توصيل الأكسجين على متن القوارب. أما المركز الطبي الآخر في الجزيرة، المركز الميداني السعودي، المموّل من السعودية، سرّح مؤخرًا معظم موظفيه، الذين كانوا أردنيين بشكل عام.

لا توجد سوى منشأة واحدة فقط في الجزيرة تجري فحص كورونا (PCR) وهي مختبر العسلي، لكن تكلفة الفحص باهظة للغاية إذ تبلغ حوالي 45 ألف ريال يمني (أي حوالي 52 دولارًا أمريكيًّا عند كتابة هذا المقال) أي ما يعادل راتب شهر كامل للكثير من الأسر. تُرسل الفحوصات التي يجريها المختبر إلى البر الرئيسي للحصول على النتيجة. يستخدم مستشفى خليفة فحوصات الأجسام المضادة، وهي فحوصات أقل موثوقية وأرخص تكلفة، وتبلغ كلفتها 6 آلاف ريال يمني (حوالي 6.90 دولار أمريكي).

تساهم التصرفات الفردية الطائشة أيضًا في انتشار فيروس كورونا، فبحسب موظف محلي يعمل لدى شركة العربية للطيران -طالبًا عدم ذكر اسمه لكي يتحدث بصراحة عن الوضع- حاول 15 راكبًا الصعود على متن رحلة في 29 مارس/آذار إلى أبو ظبي ولكنهم مُنعوا من ذلك لثبوت إصابتهم بفيروس كورونا. “القلق الحقيقي هو أن الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس لا يقومون بعزل أنفسهم، بل يذهبون إلى المطار، ويختلطون مع مجاميع الناس معتقدين أنه لا يزال بإمكانهم ركوب الطائرة، حتى يتم إيقافهم ويُطلب منهم إظهار شهادة خلوهم من فيروس كورونا، حتى أن البعض قال: أنا بصحة جيدة، وهذه مجرد إنفلونزا”.

أقر أحد مدراء الفنادق، الذي تحدث أيضًا شريطة عدم الكشف عن هويته، بأن العديد من المرشدين السياحيين السقطريين استمروا في العمل دون ارتداء كمامات على الرغم من إصابتهم بفيروس كورونا. “أتذكر شخصًا ثبتت إصابته بالفيروس مؤخرًا، ويعزل نفسه الآن، لكنه مكث لمدة أسبوع مع 12 سائحًا قدِموا من الإمارات”.

وقال الدكتور القدومي: “ما زال الناس لا يؤمنون بوجود عشرات الإصابات بالفيروس في حديبو ويتعاملون مع الوضع بلا مبالاة. إنهم لا يرتدون الكمامات ولا يتخذون أي إجراءات وقائية”.

تتوفر الكمامات في المحلات حول مستشفى خليفة بسعر 200 ريال يمني للكمامة (20 سنت أمريكي). وعلى الرغم من أن سعر الكمامة مقدور عليه لمعظم الناس، إلا أن شراء العديد من الكمامات يمكن أن يؤثر على ميزانيات الأسر ذات الدخل المنخفض.

لم تأخذ السلطات المحلية سوى القليل من الإجراءات بشكل عام للتصدي لتهديد الجائحة، حيث لم تدلِ بأي تصريحات بشأن انتشار الفيروس في الأشهر الأخيرة ولم تصدر بروتوكولات جديدة للصحة العامة. كما أن السكان مستمرون بحياتهم اليومية كالمعتاد، فلا تزال العائلات تجتمع حول طبق واحد لتناول الطعام، ويتجمعون سويًّا لمضغ القات، ويلقون التحية بمصافحة اليدين ولمس الأنوف. كما أن معظمهم مستمرون بوضع زجاجة مياه عذبة وأكواب أمام منازلهم للعطشى من المارة.

وفي نهاية أبريل/نيسان، بدأت حملة تلقيح، بدعم من اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية للسكان البالغ عمرهم 60 وما فوق على الجزيرة.

اترك تعليقا