سقطرى..عادات لافتة في طقوس إكرام الضيف

  1. قشن برس – تقرير خاص

في جزيرة سقطرى، تبدو معظم التقاليد مختلفة عن المناطق اليمنية الأخرى، حيث يحوي الأرخبيل على العديد من العادات التي تتميز بالتفرد، وفيها أيضا كثيرا من الغرابة اللافتة.

في هذه المحافظة اليمنية الاستراتيجية، يبدو الكرم المجتمعي صفة سائدة لدى عامة السكان الذين يحرصون كثيرا على ضرورة إكرام الضيف وتوقيره، والمبالغة في ذلك من قبيل الاحترام الزائد والإكرام الواسع رغم الفقر المنتشر.

” قشن برس” أراد تعريف القارئ بأبرز التقاليد اللافتة الخاصة بإكرام الضيف في جزيرة سقطرى التي تملك لغة خاصة بها وتقع على المحيط الهندي جنوب شرقي اليمن.

وقد صرح لقشن برس الباحث في الشأن الثقافي السقطري أحمد الرميلي، متحدثا عن تفاصيل عديدة حول طقوس إكرام الضيف في هذا الأرخبيل  الحيوي، حيث سيتم سردها في الفقرات التالية.

 

الذبيحة واجبة لإكرام الضيف

من لوازم إكرام الضيف في سقطرى أن تقدم له اللحوم كطبق غذائي لا يستغنى عنه ، فلابد أن ينهض المضيف ليبحث عن ذبيحة تليق بمقام الضيف.

وغالبا ما يخرج المضيف خلسة وخفية، فيلتمس عذرا للخروج، كأن يبحث عن ماء أو حطب أو شيء ما، حتى يوهم الضيف. أو يتحين فرصة يغفل فيها الضيف، وقد يوعز إلى أحد أقاربه الموجودين بكلمة أو إشارة بأن يقوم بجلب الذبيحة.

وغالبا يكون الضيف منتبها لمثل تلك التصرفات ويحرص على منع المضيف من الذبيحة، ويردد بعض العبارات محاولا فيها التوقف عن الذبح، لكن المضيف يرد عليه بالحلف واليمين بأنه لابد من الذبيحة.

ويختار المضيف السقطري الجيد من حيواناته والأسمن، حتى يقدم شيئا يكرم بها الضيف.

ومن الأشياء الغريبة أن يؤتى بالذبيحة حية أمام الضيف غالبا، ويقوم المضيف بالدعاء لله، حيث يطلب من ربه حفظ المال والأهل، وزيادة البركة، وحفظ المضيف والضيف وغيرها من عبارات الدعاء.

بعد ذلك يطلب من الضيف أن يلقي هو الدعاء أيضا. ثم تذبح الذبيحة.

ومن عادات إكرام الضيف أن يخصص له أجزاء معينة وقطع معلومة من لحم الذبيحة.. فليست كل الأجزاء والقطع صالحة لتقديمها للضيف الذي يحظى باهتمام خاص.

فلحم الذبيحة يكون مقسما بين ما يطلق عليه (قرحم – رطح – سقيد).

وفي الأسطر التالية نعرف القارئ بتفاصيل هذه الأنواع الثلاثة لقطع الذبيحة.

١- (قرحم): يقصدون به العظام. فهم يستخلصون اللحم من العظام بطريقة بديعة حتى تبقى العظام من غير لحم. ولكل عظم مسمى معروف. وعاداتهم أنهم يقدمون (قرحم) قبل اللحم والطعام، ويعتبرونه من المقدمات الهامة قبل الأكل.

وأهم العظام التي تقدم للضيف:(ڜرڜه)وهي جزء من عظم الرأس، و(كراه) عبارة عن من عظام اليد، وكذلك  (ديفحط) تؤخذ من عظام الفخذ.

٢- (رطح): ويقصدون به اللحم الخالص من العظام. فبعد تخليص اللحم من العظام يقسمونه إلى ١٣ قطعة، بطريقة فنية رائعة، ولا يجيد ذلك التقسيم غير المتخصص من البدو الرعاة، ولكل قطعة مسمى معلوم، كما أنه ليس كل القطع صالحة لتقديمها للضيف، بل هناك قطع هي التي تقدم للضيف عرفا.

ومما يقدم للضيف من (رطح) مثل: (رِبَعه): وهو اللحم الذي يلي الضلوع ويكون ملاصقا به، إضافة إلى (متلِف): وهو اللحم الذي في الخاصر، وكذلك  (منحيز) الذي يكون ممتدا من منتصف الظهر إلى قرب الذنب.

كما هناك (معجبوتي) وهو اللحم الذي يجاوز الذنب، و(ديد) الذي هو لحم اليد والكثف.

٣- (سقْيد): اسم سقطري يقصد به غير اللحم والعظم، مثل الكرش والأمعاء والشحم والكبد والكلى والقلب والرئتان… ولابد أن يقدم منها شيء للضيف مع اللحم، فلابد من القلب، ومن بقية (سقيد) يوضع منه أجزاء في صحن الضيف.

 

توزيع اللحم

واللافت أنه ليس كل شخص صالح لتوزيع اللحم بين الضيوف والحاضرين، حيث ينتدب لتلك المهمة أحد المختصين الذين يفرقون جيدا بين ما يقدم للضيف من (قرحم – ورطح – وسقيد) وبين ما لا يقدم، إذ لو حصل خلط أو خلل لصار ذلك عيبا ونقصا وخللا اجتماعيا.

والملاحظ أنه بعدما يرفع اللحم من النار يُنزل على أحجار خاصة تسمى (رقهل)، ثم يأتي مقسم اللحم، ويسمى (مشادهي/ مسادهي)، ويقوم بعد الحاضرين حتى يتسنى له معرفة كيفية التقسيم، وكم قطع لكل مجموعة.

وغالبا ما يقسم الحاضرون على مجموعات، وكل مجموعة مكونة من خمسة أشخاص. فإن كان عددهم 20 شخصا، يقسم اللحم على أربع مجموعات، وهكذا. وبعد تقسيم اللحم (رطح) يقسم (سقيد) أيضا.

ومن المهم أن تكون قسمة الضيوف متميزة، فيكون فيها قطع اللحم ذات جودة أفضل وأكثر من غيرها، وكذلك يوضع فيها القلب والشحم وجزء كبير من الكبد.

وكل مجموعة تأخذ قسمتها، على أن يكون لديها سكين لقطع اللحم، فيقوم  أحدهم بقطع قطع صغيرة بقدر لقمة واحدة، وبعدد الحاضرين.. فلو كانوا خمسة يقطع خمس قطع صغيرة، وتسمى تلك القطع (حصهل)، وبعد أن يتمم القطع بعدد الحاضرين يضعها وسطهم مرة واحدة، فيأخذ كل واحد قطعة، وتكون لديه أيضا قطعة مشابهة بالحجم، ويتم الاستمرار بالقطع والتوزيع على هذا المنوال حتى يتم الانتهاء من أجل الوجبة.

والعادة المتبعة في تقطيع اللحم للمجموعة هو البدء  بالشحم ثم القلب، وبعد ذلك الكبد، والأمعاء، ثم الكرش، وهكذا، ثم ينتقل إلى اللحم الصافي.

ويبرر السقطريون هذا التصرف بأنهم يقدمون الذي هو أدنى على الذي هو خير؛ لأنهم يقدرون النعمة كثيرا، فلو تم البدء باللحم لوصلوا إلى الشبع قبل أن يصلوا إلى(سقيد)، وهنا يتعرض (سقيد) للإهمال ثم التلف والرمي. كما أنهم يعدون (سقيد) أيضا من المقدمات التي تفتح الشهيه للحم.

قد يكون اللحم أحيانا كثيرا، أو أن الشخص يشبع قبل أن يكتمل اللحم. فهل يحق للشخص الانسحاب من المجموعة إذا شبع؟

الجواب: لا. فلابد عليه أن يكمل مع مجموعته حتى الانتهاء، ويأخذ نصيبه من القطع (حصهل)، فإذا لم يعد قادرا على الأكل يقوم بتجميع نصيبه، ويسمى هذا (شلفه)، ثم يبحث عن عود طويل بقدر شبر أو أكبر، حسب كمية ما عنده من (حصهل)، بشرط أن يكون نحيلا، ويطلق عليه (مڜكك)، ثم يدخل فيه القطع (حصهل) واحدة واحدة، ثم يهديه لمن يريد، وغالبا يهديه لزوجته وأهل بيته إن كانوا بالقرب منه.

 

لا أكل حتى النهاية

ومن عادات السقطريين التي يعتبروها إكراما للضيف ، أن لا يدعوه يأكل حتى انتهاء الأكل من المائدة.

فعندما يصل الأكل إلى نهايته، يسحب المضيف من الضيف الصحن، وغالبا ما ينازع الضيف ليكن هو من يأكل المتبقى من الأكل، إلا أن المضيف ينازعه في ذلك، ويأخذ الصحن.

وأثناء محاولة الضيف أخذ الصحن من المضيف،  يردد الأخير بعض الأدعية التي تدل على كراهة جعل الضيف يأكل من بقايا الطعام، مثل قولهم باللغة السقطرية : (عَ لِيجُوحُر عَك ڜِيلْها). أي: لا تكن أنت من يأكل المتبقى الذي لا يغني ولا يسمن.

ويبرر السقطريون منعهم الضيف أكل ما تبقى من الطعام، هو أنهم يعتقدون أن” الطعام قد كثرت عليه الأيدي وخاض فيه الآكلون” ، فالعرف السقطري أنهم يجتمعون على الصحن الواحد عدة أشخاص ، ويأكلون منه جميعا.

كما أن أغلب أكلهم يصب عليه السمن البلدي والحليب في وسط الصحن، وفي نهاية الأكل تبقى بقايا من ذلك السمن والحليب مختلطا ببعض مع الأكل، وبالتأكيد أن تلك البقايا قد خالطتها جميع الأيدي.

ومن الطبيعي جدا أن تجد بعض الناس لا يستسيغ بقايا الطعام، وخاصة التي كثرت عليها الأيادي.

ومن هنا أُخذت تلك الكراهة، وصارت عرفا سقطريا؛ بل هو من باب الإكرام للضيف والمبالغة في الرفع من قدره لدى المضيف.

اترك تعليقا