العنف ضد المرأة في سقطرى.. أنواع وأشكال تفرزها العادات والتقاليد الخاطئة (حوار)

قشن برس- خاصِ

تفرض العادات والتقاليد الكثير من المظاهر والمفاهيم المغلوطة تجاه المرأة، تجعلها مكبلة بقيود مجتمعية بمجرد تجاوزها، فتكون في مرمى العنف والتعذيب والحرمان وغيرها.

وللعنف ضد المرأة الكثير من المظاهر تختلف في أشكالها وصورها من محافظة إلى أخرى، لكن العادات والتقاليد بالإضافة إلى الجهل تظل العوامل الرئيسية لإفراز تلك المظاهر التي تجعل من المرأة وسيلة للتعذيب والانتهاك والاستعباد.

وبالتزامن مع الحملة الدولية القائمة لمناهضة العنف ضد المرأة، التقى “ٌقشن برس” الأكاديمي والخبير التربوي “أحمد سالم العامري” للحديث عن العنف ضد المرأة في أرخبيل سقطرى بشكل خاص واليمن بشكل عام.

يقول العامري إن أي مجتمع من المجتمعات اليمنية لا يخلو من مظاهر العنف ضد المرأة، فالبعض منها يتطور من زمن إلى آخر، وتتخذ هذه المظاهر الكثير من الأشكال والصور المتعددة.

ويذهب إلى أن هذه الأشكال قد تكون البيئة نفسها من فرضتها، والبعض كرسته الأعراف والتقاليد، كما ساعد الجهل هو الآخر في ترسيخ وتطوير وولادة أشكال جديدة من مظاهر العنف.

ويستدرك بالقول: لكن قلة التعليم أمر نسبي متفاوت في درجة تأثيره على العنف، فهناك مجتمعات نسبة التعليم فيها ضعيفة، لكن نسبة العنف تجاه المرأة فيها قليلة ومجتمعات أخرى متعلمة ونسبة العنف فيها قد تكون أكثر.

ويرى العامري أن الخطاب الديني المتشدد يساهم بشكل كبير في التشجيع على العنف ضد المرأة عن طريق -مثلاً- خطب الجمعة والمحاضرات في المساجد والتي تؤثر بشكل كبير على شريحة الآباء.

صور من العنف

يفيد “العامري” في إطار حديثه أن للعنف الكثير من الصور والأشكال منها على سبيل المثال، الشائعة التي انتشرت قديما في سقطرى والتي تقول إن المرأة تصاب بمس من الجن لتكون بعد ذلك حادة العين تصيب كل ما هو جميل من المال والولد فتشوه صورته وتمرضه.

يتابع: كما تقول تلك الشائعة التي صدقها الكثيرون إن المرأة، وخاصة من تكون كبيرة السن (العجوز) تزري المال؛ أي تسلب بركته البركة وتمنع الرزق، وقد تكون هذه المرأة من البيت نفسه، فهي لا تتحكم بنفسها بل الجني من يجعلها تشين ما حولها، وهذه الفكرة جاءت من الكاهن الذي يتدخل في علاج هذه الأمراض وهو من يكشف اسم هذه المرأة.

ويؤكد العامري أن من صور العنف أيضا والسائد في سقطرى الزواج المبكر أو زواج القاصر، فقد تجبر المرأة على الزواج وهي دون سن البلوغ، وأحيانا قد تصل المرأة إلى سن الثامنة عشرة لكن بنيتها الجسمانية تبين أنها ما زالت قاصرا، وخاصة في المناطق الريفية بسبب عدم التنويع الغذائي وقلة الاهتمام الصحي فتبدو البنت وكأنها لم تتجاوز عشر سنوات.

يضيف: قد تجبر المرأة على الزواج ممن لا ترغب الارتباط به، حيث يكون الزوج كبيرا في السن أو أحيانا صغيرا أو معتوها ليس كفؤا للزواج، ويتم ذلك حرصا على المصلحة الأسرية أو القبيلة، وأحيانا لأن عرف القبيلة يقضي بضرورة ارتباط المرأة بابن عمها أو بأحد أفراد القبيلة.

ويشير العامري إلى أن من صور العنف ضد المرأة قيام الزوج بضرب زوجته لأسباب تافهة، ويزعم البعض أن ضرب المرأة رجولة وبأس يجعل المرأة تقدره وتحترمه ويكبر في عينها، كما أن الرجال لا يشاورن المرأة ولا يأخذون برأيها وهناك مثل منتشر حول هذا الأمر يقول (شاور المرأة وخالف عليها).

احتقار المرأة

يؤكد “العامري” أن هناك تقليداً مازال متعارفاً به في أوساط بعض القبائل في سقطرى، وهو منع المرأة من القيام بمهمة حلب الأغنام، وفي حال قامت بذلك يمتنع الناس عن شربه، بالإضافة إلى أنه لا يخلط مع غيره من الألبان.

ويرى الدكتور “العامري” أن مثل هذه العادات جريمة تعتدي على طهارة المرأة وتصنفها بمخلوق غير طاهر يتسبب في تلويث اللبن ويمحق بركة الماشية. مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الغريب في الأمر أن الرجال لا يمانعون في قيام المرأة بكل الأشياء الأخرى غير مسألة حلب الأغنام، فهي من تعد الطعام وتقوم بالغسيل وكذلك تقوم بمخض اللبن لاستخراج الزبدة وغير ذلك.

يتابع أن هذه العادة تأصلت حتى أصبحت عقدة نفسية تثير الاشمئزاز والقرف.

ويسرد “العامري” حكاية حول هذه العادة، “أن أحد رجال الدين حاول أن يقضي على هذا العادة فطلب من إحدى النساء أن تحلب له شاة وبعد إلحاح وافقت، وحين نظرت إليه وهو يشرب ما حلبته، لم تتمالك نفسها حتى أخرجت كل في جوفها من الطعام مما جعل الرجل يقتنع أن الأمر قناعة نفسية لا يمكن تغييرها”.

اضطهاد حقوقها في الميراث

ومن صور العنف ضد المرأة التي تحدث عنها الأكاديمي “العامري” ما يتعلق بإقلال القسمة في الطعام والميراث وغيرها، مشيرا إلى أن نصيب المرأة من الذبائح والولائم القليل من الطعام وهناك قطع من اللحوم تكون خاصة بالنساء وهي التي يكون فيها نسبة قليلة من الشحوم والغير جيد منها.

ويوضح العامري أن المرأة في الكثير من المجتمعات لا يسمح لها بالبناء والتعمير أو الزراعة في أراضي القبيلة إلا ما ورثته من المال القائم من أبيها، حتى وإن كانت هي الوريثة الوحيدة، بحجة أنها تتبع زوجها، وحتى لا تتداخل ذريتها مع ذرية القبيلة.

يذهب العامري إلى أن من مظاهر العنف أيضاً اتخاذ المرأة آلة للإنجاب المتواصل، وإلزامها بالقيام بجميع أعمال المنزل، بالإضافة إلى سقي الزرع ورعي الماشية وأعمال الحياكة والتصفين وإبرام القيود والمفارش.

ويرى أن منع الفتيات من التعليم أحد مظاهر العنف ضد المرأة، لافتا إلى أن هناك بعض الأسر مازالت ترفض تعليم الفتيات بحجة القيام بالرعي، أو تزويجهن مبكرا، وبعض الأسر والأزواج يمنعون المرأة من العمل الوظيفي.

يواصل “العامري” حديثه قائلا: مجمل الحديث فإن العنف وليد العادات والتقاليد، وكذلك هناك ارتباط نسبي بين قلة التعليم والزيادة في العنف أو ولادة ألوان أخرى منه.

ويرى أن الحكومة مسؤولة عن الحد من العنف ضد المرأة في أوساط القبيلة والأسر والمجتمع، كما لا يمكن إغفال دور الإعلام والثقافة في المساهمة في الحد من العنف.

وشدد على أهمية توجيه الخطاب الديني الإرشادي داخل المجتمع، نحو منح المرأة حقوقها الكاملة وتنفيذ العقوبات اللازمة على من يضطهد المرأة.

اترك تعليقا