“ديبورك “.. وادي الينابيع الممزوجة بجمال الطبيعة والعسل المصفى “لذة للشاربين”

قشن برس- صالح الحجار

في ذات صباح شتوي كانت الشمس تحتجب خلف الغيوم تارة، وتارة أخرى تكشف عن وجهها المشرق ليخبرنا أن الوقت أصبح ملائماً للقيام بنزهة إلى وادي ديبورك السياحي.

وبعد أن أوصلت الشمس رسائلها توارت عن الأنظار لتترك للغيوم المحملة بالمطر فرصة للتجول في سماء أرخبيل “سقطرى” لتداعب جمالها الطبيعي وتبعث في نفوس سكانها الحيوية والانتعاش.

كانت الساعة الثامنة صباحاً عندما صعدت إلى السيارة برفقة أحد الزملاء، وبدأنا رحلتنا من وسط العاصمة “حديبوه” متجهين نحو وادي ديبورك السياحي الواقع شرق سقطرى ويبعد عن العاصمة حوالي بضعة وخمسين كيلومتر.

بدأت رحلتنا مفعمة بالتفاؤل والأمل لأنها جاءت بعد أزمة وقود خانقة استمرت أكثر من شهر، أقعدت الكثير داخل ديارهم، وهو ما جعل لرحلتنا روحاً جديدة نسعى من خلالها للترويح عن النفس ونسيان وجع الأزمات وأخبار الصراع والمناكفات السياسية.

في الطريق وجدنا الجزيرة ترتدي ثوبها الأخضر بعد أن غسلها المطر، والحلل السندسية تزين السهول والهضاب والوديان والقيعان، وجبالها الشاهقة اتخذت من الضباب عمامة بيضاء تحرسها من العيون الحاسدة والأنفس الشريرة.

عبرنا الكثير من الوديان وتعرفنا على الكثير من القرى الريفية التي تنتشر على جنبات الطريق على امتداد الطريق الذي يوصلنا نحو وداي “ديبورك” الذي يعد بوابة منطقة مومي.

ومما أضاف على رحلتنا الكثير من المتعة التحرك نصف ساعة من الزمن داخل سهل منطقة (شاتاء) التي تشتهر بغطائها النباتي الكثيف لشجرة (مترر)التي تغطي مساحات شاسعة، وتشكل أكثر من تسعين بالمائة من النباتات الموجودة في المنطقة.

واصلنا الطريق وشجرة (مترر) ترافقنا عن اليمين واليسار حتى وصلنا إلى نهاية السهل، وظلت الأشجار من خلفنا تتمايل بأغصانها مرحبة بنا على طريقتها الخاصة.

بعد أن قطعنا سهل “شاتاء” واحتضنتنا أشجاره الوفيرة واجهتنا عقبة “شلهين” التي يبلغ طولها اثنان كيلومتر، وعندما وصلنا إلى أعلاها أوقفنا السيارة وقررنا أن نأخذ استراحة لبضعة دقائق ونأخذ من المكان الجميل صور تذكارية فريدة للهضبة الجميلة.

واصلنا رحلتنا بعد استراحة بسيطة في هضبة “شلهين” التي تطغو عليها شجرة ” زيداره” والتي تعد أهم غذاء للماعز والضأن، ويبلغ طولها أقل من نصف متر تقريباً.

وبعد بضعة كيلو مترات من العبور اقتربنا من الوادي، فهو لا يبعد عن الهضبة -المحاذية لقرية (بقهول ) التابعة لمنطقة مومي جيولوجيا- سوى بضعة كيلو مترات، ويمر في بطن منطقة (شعاب) ليلتقي بأودية أخرى في وادي (كليسن) الذي يصب في بحر مطيف.

ويعتبر الوادي أحد الوجهات السياحية المعول عليها من قبل الوكالات السياحية التي تعمل على عمل برامج للمجموعات القادمة عبرها من مختلف دول العالم، نظرا لتميزه بشلال ماء وبرك للسباحة، إلا أنه وللأسف حطمت الأعاصير الكثير من جمال الوادي الطبيعي والبيئة النباتية التي يشتهر بها.

ويحتضن الوادي أشجار اللبان وأشجار تريموه وسبره وأشجار أخرى، ويكاد أن يكون الوادي الوحيد الذي لا يخلو منه الزائرين يوميا، حتى خلال سنوات الحرب التي مرت على بلادنا، فهو المكان المفضل للرحلات العائلية والشبابية والطلابية ،والزائرين من محافظات البلاد الأخرى، وكل من يتسنى له الوصول إلى الأرخبيل حاليا من خارج اليمن.

ونحن نتجول في جنبات الوادي صادفنا محمد عامر الرجل الذي جند نفسه في خدمة الزائرين للوادي ومرافقة السياح القادمين من خارج اليمن منذُ أكثر من عشرين عاما.

أخذ “عامر” يحدثنا عن مميزات الوادي وغطائه النباتي الوفير النادر، بالإضافة إلى أنه يحتوي على شلال ماء وأحواض ماء عذبة وكبيرة تفتح شهية الزائر إليها لممارسة السباحة.

عاد بنا الرجل نحو سنوات ما قبل الحرب الدائرة في البلاد عندما كانت حركة السياحة في الأرخبيل في ذروتها، وحينها كان السياح يعبرون عن إعجابهم الشديد بالوادي ومميزاته الطبيعية.

واصلنا تجوالنا داخل الوادي حتى قررنا النزول تحت أحد الأشجار، وبعد 5 دقائق أقبل نحونا الأستاذ علي سعيد أحمد أحد أبناء المنطقة وقريته تقع على مقربة من الوادي.

تحدث إلينا أحمد عن أماكن سياحية أخرى في ذات المنطقة تكسوها المناظر الطبيعية الخلابة، لكن وادي “ديبورك” السياحي كما يقول ينفرد بجمال الطبيعة وروعة المنظر، ولطالما كان المكان المميز لدى جميع السواح الزائرين الذين يتوافدون إليه طيلة السنوات الماضية، لتصوير الشلال والسباحة فيه وتصوير الطبيعة الخلابة.

وقبل أن نحط رحالنا تحت الشلال ومائه العذب؛ استدرنا نحو الجبال التي على يمينه، وعندما وصلنا إلى جوار أحدها لمحنا قطرات العسل قد غطت أرضية المكان، ففي هذه القمم الشاهقة تتخذ النحل منها بيوتا لها، مستغلة الغطاء النباتي الوفير والماء العذب المتواجد في الوادي.

استدرنا نحو الشلال وأدهشتنا قوة الماء الذي يتصبب من أعلى الجبل وهناك مارسنا السباحة والتقطنا صوراً تذكارية للوادي والطبيعة التي تزين محياه.

دقت عقارب الساعة نحو الساعة الثالثة عصرا وكان يجب علينا أن نعود نحو سيارتنا مقررين العودة بعد أن قضينا الكثير من الساعات الممتلئة بالفرح والمعرفة.

صعدنا إلى داخل السيارة وبدأنا نتحرك لنترك الوادي مع رحلة جديدة حطت رحالها في المكان، لتنعم بجنة الوادي وينابيعه الممزوجة بالعسل المصفى “لذة للشاربين”.

 

اترك تعليقا