تعطيل المصالح واضطهاد السكان.. هكذا غيرت السعودية واقع الحياة في المهرة اليمنية

“اقتحمت مجموعة من المسلحين المقنعين شقتي، وقيّدوني، وأخذوني إلى مكان مجهول”،..هكذا بدأ (بدر) شقيق الصحفي يحيى السواري، يسرد قصة اعتقاله وتعذيبه، من قبل السعودية والقوات التابعة لها في محافظة المهرة.

يتحدث بدر السواري، لـ”قشن برس”، فيقول : “بقيت يوماً كاملاً في معتقل، وهو ليس سجناً بل دائرة حكومية فيها عدة مكاتب، كنت معتقلاً في واحدٍ منها، ثم نقلوني إلى مكتب آخر أنام فيه لليوم الثاني، وأخذوني إلى أحد المعسكرات التابعة للشرطة العسكرية في المحور”.

والشرطة العسكرية هي إحدى التشكيلات التي امتدت إليها يدُ القوات الإماراتية ومن بعدها السعودية، وقد اتهمها وكيل محافظة المهرة، بدر سالم كلشات، بالتنسيق مع قوات “الحزام الأمني” التي أنشأتها الإمارات في العاصمة المؤقتة عدن وبعض المحافظات المجاورة.

يكشف “بدر” تعرضه للتعذيب أثناء الاستجواب، قائلاً: “في اليوم الأول عند وصولي أخذوني إلى قائد المعسكر،  الذي قام بتعذيبي واستجوابي، وكان يسألني أسئلة غريبة عن إيران وقطر وسلطنة عمان، وأنا لا أدري عما يتحدث”.

يتابع: “كان يضربني بسلك، وفي اليوم الثاني أخذوني عند اثنين آخرين كانوا يعذبوني بالطريقة نفسها، وقاموا بجلدي حتى سال الدم، وبعد ٢٠ يوماً من سجني أخذوني مرة أخرى إلى القائد، وفي ذلك اليوم لم يسألني أي سؤال؛ فقط كان يعذبني بالكهرباء دون أي سبب أو سؤال”.

يوضّح بدر أن معتقليه نقلوه بعد ذلك إلى زنزانة أخرى في المعسكر نفسه، ويتحدث: “كانت الزنزانة أنظف بقليل، و فيها ضوء والشمس تصل إليها، وبقيت فيها لـ15 يوماً، حتى تدخل بعض الوسطاء من المشايخ والقبائل وأطلقوا سراحي”.

يؤكد “بدر” أن المحقق الذي استجوبه في أول موقع كان سعودياً، وبعدها كان المحققون يمنيين من أصول حضرمية و شبوانية وأيضاً من محافظة أبين.

وعن التغيير الذي لاحظه في ظل وجود القوات السعودية في محافظة المهرة، يقول بدر: إن الأسر تواجه اضطهاداً، فقد حدّت تلك القوات من حرّية التنقل والحركة، كما مُنع الصيادون من مزاولة أعمالهم في بعض المناطق، ويواجه البعض مخاوف الاعتقال، فيما تعطلت المصالح العامة مثل مطار الغيضة وميناء نشطون.

يشدّد بدر على أن المهرة محافظة مسالمة لا يوجد فيها أي صراعات أو نزاعات من تلك التي تشهدها محافظات يمنية أخرى، وبالتالي لم يكن الأمر يستدعي الوجود العسكري.

ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن السعودية إن كانت صادقة النوايا ستدخل اقتصادياً لتنمية محافظة المهرة  وإنعاش اقتصادها بتشغيل الميناء بشكل فعّال، وكذلك المطار، لكن الرياض عملت العكس تماماً.

وشهدت محافظة المهرة على مدى أكثر من عامين مظاهرات واحتجاجات ومسيرات نظمتها لجنة اعتصام المهرة للمطالبة بمغادرة القوات السعودية.

نجحت تلك الاحتجاجات في لفت انتباه الرأي المحلي والعالمي إلى محافظة المهرة الواقعة شرق اليمن على الحدود مع سلطنة عمان، لكنّ مطالبها برحيل القوات السعودية لم تتحقق بعد، في ظل “الغطاء الشرعي” الذي توفره الحكومة اليمنية لتلك القوات.

وتنطلق الاحتجاجات من الرفض الشعبي الواسع للوجود السعودي في محافظة المهرة، والذي اتُهم بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، كشفتها اللجنة المنظمة للاعتصام والحقوقيون ومنظمات محلية ودولية.

في 25 مارس 2020، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريراً أكدت فيه أن القوات العسكرية السعودية والقوات اليمنية المدعومة من السعودية نفّذت انتهاكات خطيرة ضد اليمنيين منذ يونيو 2019 في محافظة المهرة.

وأوضحت أن الانتهاكات شملت الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والإخفاء القسري، والنقل غير القانوني للمحتجزين إلى السعودية، ونقلت المنظمة عن مواطنين من المهرة قولهم إن القوات السعودية والقوات المدعومة منها، اعتقلت بشكل تعسفي متظاهرين كانوا يحتجون على وجود القوات السعودية، في الغيضة عاصمة المهرة.

وبحسب تقارير حقوقية أوردتها هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى منها منظمة “سام للحقوق والحريات”، فقد استخدمت القوات السعودية مطار الغيضة كسجن غير رسمي، يخضع المعتقلون فيه للاستجواب والتعذيب تحت إشراف ضباط سعوديين، قبل أن يتم نقل بعضهم إلى السعودية دون تقديم معلومات عن مكانهم.

الصحفي، علي بن محامد، أكّد أن الوضع في محافظة المهرة، لايستدعي وجود القوات السعودية لأنها دخلت إلى اليمن بأهداف معلنة وهي إنهاء انقلاب الحوثي واستعادة الشرعية، والمهرة ليس فيها تواجد للحوثي، وبالتالي فوجودها في المحافظة هو خروج عن الأهداف المعلنة، وتأكيدٌ على المطامع الخاصة والمشاريع الضيقة التي تسعى لتحقيقها في المحافظات المحررة ومنها المهرة.

وأوضح بن محامد، وهو من أبناء المهرة، في تصريح خاص لـ”قشن برس” أن الوجود العسكري السعودي أثّر على المجتمع المهري بشكل عام، حيث حوّلت القوات السعودية مطار المحافظة إلى مطار عسكري، وسيطرت على الموانئ والمنافذ وحوّلتها إلى ثكنات عسكرية، كما تقيم نقاطاً ومعسكرات على الشريط الساحلي، وعملت على إنشاء مليشيات تابعة لها.

وتابع: هذا أثّر على المجتمع المهري المتماسك والمؤيد للشرعية..المجتمع الآمن والمسالم، وهذا يؤكّد مرة أخرى عدم وجود حاجة لهذه القوات العسكرية التي جلبتها السعودية للمهرة، وسينعكس هذا التأثير على مستقبل المحافظة بحيث يدفع سهام الحرب نحو المهرة، فالوجود العسكري الكثيف للسعودية يعطي دلالة على وجود خطوات مريبة تسعى إليها الرياض.

وقال بن محامد إن أبناء المهرة ينظرون للقوات العسكرية في محافظتهم بأنها قوات احتلال تستحوذ على المؤسسات السيادية في المحافظة، وتخلق مليشيات تقلق المواطن، وقد عملت على تنفيذ اعتقالات وانتهاكات وسعت لشقّ النسيج الاجتماعي.

وثّقت “هيومن رايتس” قضايا 16 شخصاً احتجزتهم القوات السعودية واليمنية المتحالفة تعسفا في محافظة المهرة بين يونيو 2019 وفبراير 2020، ونُقل 11 منهم إلى سجن في أبها عاصمة منطقة عسير في السعودية.

ونقلت المنظمة عن أربعة محتجزين سابقين قولهم، إن ضباطاً سعوديين كانوا حاضرين أثناء احتجازهم واستجوابهم في مرفق تابع لمطار الغيضة، وقال ثلاثة إن ضباط يمنيين عذبوهم، بحضور ضباط سعوديين، لإرغامهم على التوقيع على تعهدات بوقف الاحتجاجات ضد أنشطة القوات السعودية وحلفائهم اليمنيين في المهرة.

يضيف بن “محامد” أن السعودية عملت على شراء بعض الذمم لتلميعها إعلامياً في المهرة، مستدركاً: لكن هناك منظمات حقوقية ترصد الانتهاكات، مثل منظمة “سام” و”هيومن رايتس ووتش” اللتين أصدرتا تقارير تكشف الانتهاكات في المحافظة.

وأشار إلى أن الغطاء الذي يحمي الوجود السعودي في المهرة توفره “الحكومة الشرعية الهشّة التي تتلقى أوامرها من الرياض، وهي التي جعلت السعودية تتمادى وتتوسع في المهرة”.

واختتم الصحفي بن محامد حديثه بالتأكيد على أن المحافظة ستكون يمنية تابعة للشرعية آمنة ومستقرة في حال خرجت القوات السعودية، وهذا هو مطلب أبناء المهرة.

تبدو النقطة الخلافية الأبرز بين المحتجين في محافظة المهرة والقوات السعودية المتواجدة هناك، أنها جاءت إلى محافظة آمنة لاتشهد صراعات تستدعي وجودها، كما أن تحركاتها تأتي في ظل غياب الدولة، ولم تحصل القوات السعودية على موافقة من المؤسسات الدستورية والتشريعية في البلاد، ولذلك يطالبون بضرورة مغادرتها وإن كانت تسعى للاستثمار فالطريق إلى ذلك عبر النوافذ القانونية التي لاتتوفر في حالة الحرب.

اترك تعليقا