أحمد العامري..السقطري الذي تخطى الصعوبات في سبيل تحقيق الحلم

قشن برس – خاص

في إحدى مدارس البدو الرحل بأرخبيل سقطرى، كانت المحطة التعليمية الأولى للأكاديمي أحمد سالم العامري.

ولد أحمد في عام 1980 بقرية مذهب في مديرية حديبوه شرقي جزيرة سقطرى، وعلى مدى أربعة عقود، عاش تجارب متعددة، مليئة بالإنجاز الذي لا يخلو من أوجاع الظروف وآلام الحياة.

فقد والدته وهو ابن عامين..عاش يتم الأم في سنوات حياته الأولى؛ لكنه لم يستسلم لتبعات هذا الفقدان الكبير، حيث استطاع الدخول إلى المدرسة في سن السادسة كأصغر زملائه سناً.

كانت مدرسة باجوبج التي تلقى فيها تعليمه الأساسي،  تحوي أربعة أحواش مبنية من الأحجار والطين ومسقوفة بسعف النخيل، ومع ذلك فقد كانت منزله في الليل وفصله التعليمي في النهار.

في ذلك الوقت كان بعض الطلاب من بينهم أحمد، مجبرين  على السكن في مدرستهم، نظراً لبعد مناطقهم عن المدرسة بحوالي 30 كم، ودفعت الظروف الصعبة التي عاشها التلميذ الصغير أحمد، لقطع هذه المسافة الطويلة مشيا على الأقدام في نهاية كل أسبوع، وأحيانا يطول به المقام لمدة أسبوعين.

رغم أوجاع ظروف الحياة وآلام اليتم، سعى أحمد إلى تحقيق أحلام في المراحل الأولى من الدراسة.. أحلام ظلت هاجساً تشغل باله حتى تحققت فيما بعد.

كان يحلم أن يصبح خطيباً ناجحا ومدرساً مشهورا؛ وذلك لما كان يحظى به الخطيب والمدرس من تقدير وشهرة في ذلك الوقت بأرخبيل سقطرى.

وقف الحظ في صف أحمد التلميذ المجتهد، إضافة إلى سعيه كثيراً في سبيل تحقيق هذه الأحلام، وأصبح خطيباً وهو دون الخامسة عشرة.

تميز في طفولته عن أقرأنه، فقد كان يتقن القراءة في سن مبكرة، إضافة إلى امتلاكه صوتاً شجياً، مع حفظه لكثير من المتون والنصوص الدينية.

مع فقدان والدته، كان والده يقوم بدور كبير في حياته، حيث أصر على تعويض ولده نقص رحيل الأم، كان  يشجعه كثيراً في سبيل تحقيق أحلامه.

وبالنسبة لحلمه أن يصبح معلما، فقد تأخر  إلى العام 2001،  حين حصل على شهادة الدبلوم في قسم اللغة العربية، وعمل حينها مدرساً في سقطرى.

حينها شعر بسعادة ورضا كبير.. لقد حقق حلمين كبيرين علقا في ذهنه، كونهما الوظيفتان الأبرز في سقطرى.

 

مواقف وصعوبات

واجه أحمد مواقف صعبة في حياته منذ طفولته، بعضها مرتبطة بفقدان والدته، كان يعود إلى قريته من مدرسته البعيدة؛ فيشاهد بحزن النساء يستقبلن أولادهن، أما هو فيعيش وجع يتم الأم، إضافة إلى كونه لا يجد أهله أحياناً لأنهم ينتقلون بالمواشي من قرية إلى أخرى بحثاً عن المرعى.

كان أحمد في جميع مراحل دراسته يسكن بعيداً عن أهله؛ حيث واصل دراسته في المرحلة الإعدادية في عاصمة سقطرى حديبوه التي تبعد 55 كم عن مسقط رأسه.

بعد إكمال الإعدادية سافر إلى محافظة المهرة، والتحق في الثانوية العلمية (المعهد العلمي) وقد واجهته مع زملائه الكثير من الأخطار في السفر والعودة من سقطرى إلى المهرة، مع مخاطر ركوب البحر وانتظار الطيران لفترات طويلة.

بعد إتمامه دارسة الثانوية العامة عاد إلى سقطرى وحاول البحث عن عمل، لكن لم يسانده الحظ كثيرا، ومع ذلك توفق في الالتحاق بكلية التربية في الأرخبيل، وهي فرع يتبع جامعة حضرموت.

فور تخرجه من الكلية بنظام الدبلوم  تم تعيينيه مدرساً في وزارة التربية والتعليم؛ ومن ثم تنقل للتدريس بين البادية والحضر إلى أن استقر به الحال في ثانوية خالد بن الوليد بسقطرى؛ وارتقى فيها وظيفياً وتم تعيينه وكيلا فيها.

في ثنايا تلك الفترة الزمنية كان أحمد يتطلع إلى مواصلة تعليمه الجامعي، حيث انتظر  افتتاح جامعة حضرموت نظام البكالوريوس في سقطرى؛ لكن ذلك لم يتم، فلم يكن هناك خيار أمامه سوى الاستمرار في تحقيق الحلم التعليمي،تعاهد مع بعض الزملاء على السفر إلى صنعاء لمواصلة الدارسة، وتم قبوله في الجامعة اليمنية.

تميز أحمد في تدرسيه عن بقية المعلمين. فقد كانت طرقه في التدريس متنوعة، وكان الطلاب يتشوقون لحضور دروسه ما جعل مدير المدرسة يستكشف الأمر بنفسه.

ذات مرة دخل عليه مدير المدرسة في إحدى الحصص وبعد انتهاء الدرس أخبر المدرسين أنه لأول مرة يستوعب درساً في النحو منذ دراسته، وسجل ذلك في دفتر الامتيازات.

في العام التالي لتعيينه وكيلاً للثانوية تم تعيين مدير آخر لمكتب التربية والتعليم في سقطرى، فاتخذ الأخير قراراً بتحويل أحمد للتدريس في قرية نائية؛ وقد راجعه في العدول عن قراره؛ لكنه رفض.

حينها اتخذ أحمد قراراً فوريا بالالتحاق بالدراسات العليا وسافر إلى محافظة عدن وتم قبوله في  الماجستير، وواصل الدراسة رغم إيقاف راتبه وتهديد مدير التربية بفصله أكثر من مرة.

وبعد أربع سنوات من البحث والدراسة تمت مناقشة رسالته للماجستير في كلية التربية جامعة عدن قسم اللغة العربية بتقدير ممتاز وذلك في العام 2017؛ وبعدها بفترة وجيزة تقدم بطلب الالتحاق ببرنامج الدكتوراه فوافق القسم على الطلب لتفوقه؛ ولكونه الطالب الوحيد في البرنامج من أبناء سقطرى، وتمكن من الحصول على الدكتوراه في العام 2018.

 

مغامرات العامري

لم تخلُ حياة أحمد العامري من مغامرات ما زال يتذكرها حتى اليوم، بعضها تحكي واقعاً ينم عن شخص يحب التحدي ولا يخشى الصعاب.

ففي العام 2012، عندما تم انتخاب الرئيس عبدربه منصور هادي، كان الحراك الجنوبي مشتعلاً في مدينة عدن، وقد تجمهر العديد من الشباب لمنع الناس من الاقتراع، وخاصة الذين هم من محافظات الشمال؛ وتم إطلاق النار على بعض الناخبين بالقرب من العامري الذي أصر على الذهاب إلى مركز الاقتراع لممارسه حقه الديمقراطي والقانوني في التصويت الانتخابي.

على بوابة المركز الانتخابي تعرض  للتهديد من قبل بعض الشباب المتظاهرين؛ لكنهم عندما رأوا إصراره تراجعوا عن تخويفهم وتهديدهم، ودخل المركز وقام بالتصويت.

دراساته العليا أيضا كانت محفوفة ببعض المخاطر والمغامرات؛ فقد كان طوال دراسته في الماجستير يسكن في منطقة شديدة الخطورة في عدن تسمى “الشابات”.

كانت غرفته تقابل ساحة المظاهرات والنزاعات؛ ووصلت غرفته كثير من شظايا الرصاص الحي وآثار التفجيرات، وتضررت النوافذ والأبواب جراء ذلك.

 

أنشطة متنوعة

بعد أربعة عقود من مشوار تحقيق الأحلام، يعمل الدكتور أحمد حالياً أكاديميا في كلية التربية بمحافظة سقطرى.

وإلى جانب ذلك؛ قام بكتابة مجموعة من القصص في الشأن السقطري؛ نشر بعضها ومازال البعض في طور التنقيح والتأليف.

ويعمل حالياً على إعداد رواية تبرز عادات قديمة في الأرخبيل، إضافة إلى نشاطه المستمر في المجال الإعلامي، حيث كتب قرابة خمسين مقالاً، نشرت في مواقع إلكترونية، وكذلك مشاركاته المستمرة في الندوات واللقاءات التي تتعلق بالشأن السقطري أو السياسي والاجتماعي والديني.

وللعامري علاقته الوطيدة بالإعلام، حيث عمل مرشداً ومعداً إعلامياً في عدد من القنوات الفضائية، ويسعى كثيرا في نشر الدين والمحبة والسلام بين الناس وخلق جيل مثقف واعٍ يخدم الدين والوطن، كما يحلم كثيراً بسيادة الطمأنينة والأمن ولم شمل اليمن وتوحده ونبذ الفرقة والخلاف وحلول العدل والعلم والسلام.

اترك تعليقا