20 عاماً من المعاناة..حادثة اصطدام قارب في سقطرى توقف حلم الربان سليم

قشن برس- تقرير خاص

منذ نحو عقدين من الزمن، يلازم الربّان سليم فراشه دون القدرة على الحركة. هو الّذي كان يجوب البحر ليلاً ونهاراً، باحثاً عن أسماك الديرك، التي يزخر بها الساحل القريب من قريته في محافظة أرخبيل سقطرى.

سليم لم يعد سليماً، فهو يعاني من شلل كلي، بعد حادثة اصطدام قارب صيد بالقارب الذي كان نائماً فيه، برفقة إخوته، في إحدى الليالي المظلمة من شهر فبراير 2001.

ميـلاد جـوار البحــــر

ولد سليم محمد عافر، في قرية زفلة بمنطقة مومي في أقصى شرق سقطرى جوار البحر  فعاش مع زرقة الماء، وأتقن ركوب الأمواج. كان راعياً بدوياً، وصياداً ماهراً. نشأ منذ نعومة أظفاره “برمائياً”. وعاش قرب البحر يستنشق نسيمه، ويحيا حياة البرّ السقطرية التي تزينها الخضرة والجمال.

وبسبب تقاعس السلطات وتردي الخدمات الأساسية- ومنها الصحية- وبُعد سقطرى جغرافياً عن البر اليمني فقد عانى السقطريون كثيراً، وتفاقمت حالات كان بالإمكان علاجها لو توفرت البنية التحتية والمستشفيات المجهزة بالإمكانيات.  لكن ذلك كلّه ساهم في استمرار معاناة المرضى ممن يعانون إعاقات مستديمة أو أمراضاً مستعصية، وقد مات البعض وهو ينتظر السفر خارج المحافظة لتلقي العلاج.

قصة المعاناة والتحدي

في قصة سليم الكثير من الوجع، فقد عمل صياداً مع أبناء عمومته لبضع سنين، قبل أن يشتري له قارباً مع أخوته. ونظراً لاشتهار الساحل البحري المجاور لقريته بمراعي أسماك الديرك، حيث يتهافت الصيادون من مختلف سواحل سقطرى ليجتمعوا في هذا المرفأ للعمل في موسم محدد، فقد ذاع صيت سليم واشتهر بوفائه وترحيبه بالجميع باعتباره صاحب رأي فهو أحد الذين يحافظون على قوانين الاصطياد   لهذه البقعة البحرية الثرية بأسماك الديرك.

حل موسم اصطياد أسماك الديرك، وسارع سليم ورفاقه بإشعار جمعيتهم السمكية أن الموقع يبدأ الاصطياد، والجمعية بدورها تخبر جمعيات أخرى لإبلاغ صياديها ممن يرغبون بالعمل بالحضور في اليوم المحدد، ..حضر الصيادون من شتى أنحاء سقطرى، بدأ العمل، وجاء التجار لاستلام البضاعة..على مدى أسبوع كان الربان سليم يقود قاربه بمعية إخوته بكل حيوية ونشاط، ولايعلم مايخبئه له القدر.

موعـد الحــزن

في ليلة مظلمة من ليالي فبراير/شباط2001، وبعد أن رمى الصيادون بشباكهم في البحر، أوقف الربان سليم قاربه جوار الشباك ليأخذ هو ورفاقه قسطاً من النوم،..أخذ غطاءً مصنوعاً من صوف الضأن، فهو المفضل للصيادين حيث يمكن أن يقيهم البرد القارس.

قبل أن تشرق شمس الصباح؛ وبينما لايزال جميع من في القارب نائمين، اصطدم قارب آخر بقاربهم، منهياً بذلك الحادث مشوارهم في الصيد حينها، ورحلة الربان سليم وقصة عشقه للبحر.

كان أحد الربان يقود قاربه بسرعة فائقة في وقت مظلم ليصطدم بمقدمة قارب سليم؛ في المكان الذي كان ينام فيه، تسبب الاصطدام في كسر القارب ووقع سليم ومن معه في البحر..علت صيحات الصيادين وسارع من في الجوار لإنقاذهم..تمت العملية بنجاح ولم يغرق أحد، لكن طموحات سليم في العمل وسط البحر غرقت ولم تجد من ينقذها بعد.

طلعت شمس اليوم التالي كئيبة وحزينة. وقف جميع الناجين من حادثة الاصطدام على أقدامهم، لكنّ الربان سليم بقي ممدداً في المكان الذي نُقل إليه على ساحل في موقع شرعهن، وعجز مئات الصيادين عن مساعدته في الوقوف فهو في غيبوبة، كانوا يظنون أن تلك الحالة بفعل الصدمة وفاجعة الحادثة، فيما المؤلم أن إصابة سليم بالغة، لن يقوى على تخطيها في القريب.

نقل الصيادون سليم على أكتافهم إلى قريته، ومنها إلى العاصمة حديبو، ثم إلى محافظة صنعاء ليتضح أنه يعاني من كسر في العمود الفقري،..سافر الربان المُقعد إلى معظم محافظات اليمن دون جدوى.

الربّان في انتظار المساعدة

ظل سليم ممدداً في الفراش لما يقارب عقدين من الزمن دون حركة بسبب إصابته بشلل كلي، لاشيء يتحرك في سليم سوى عينيه..وطوال عشرين عاماً أقعده الضعف وغيّرت الإصابة الكثير من ملامحه.

يعيش سليم الآن في سقطرى، ويقول: “ابني وإخوتي يساعدونني في لقمة العيش، أريد السفر للخارج للعلاج بعد أن طرقت أبواب المستشفيات في اليمن ولم أجد فرصة للتعافي، مازلت أحلم في حياة طبيعية، وأتمنى ألا يتوقف حلمي، وألا أصل لحالة اليأس والاستسلام للوضع الذي أعيشه”.

هي قصّة معاناة ومأساة عمرها 20 عاما. تنفطر لها القلوب رأفة ورحمة.

يأمل سليم وعائلته أن ترقّ لحاله قلوب السلطات المحلية والميسورين فيساعدوه على أن يعيد لجسده شيئاً من الحياة. بعد أن زار مستشفيات صنعاء وحضرموت ولم يجد العلاج، لم يعد هناك بدّ من سفره للخارج لإجراء عملية جراحية تفتح له الطريق مجدّدا لشقّ عباب البحر ربّانا لا يهاب المحن.

اترك تعليقا