اختباء العروس ليلة زفافها..عادة سقطرية قد تتسبب بإعادة مراسيم الزواج

قشن برس: أحمد الرميلي

كثيرة هي تلك العادات والتقاليد التي توارثها السقطريون عبر قرون من الزمان، وأكثر تلك العادات خاصة بالشعب السقطري وحده، ولم تنقل إليه من الشعوب الأخرى.

ومن تلك العادات التي يتميز بها المجتمع السقطري عادة غريبة نوعا ما..فمن المتعارف عليه في سقطرى قديماً أن يقام العرس مرتين، الأولى في بيت الزوجة، ويبقى الزوج في بيت زوجته بعد إقامة العرس الأول لبضعة أيام، والمرة الثانية يقام العرس في بيت الزوج، ومن مراسيمه نقل الزوجة إلى بيت زوجها ليلاً، برفقة أقاربها وذويها.

وأثناء النهار يتم الإعداد والتجهيز لوليمة العرس الثاني، والذي يعرف بالسقطرية ب(أزفف)، فتُعزم القبائل، وتُذبح الذبائح، وتتوافد الناس لحضور العرس والابتهاج.

وبعد الغروب مباشرة يتم نقل العروس لتُزف إلى بيت زوجها، ويرافقها أهلها وذووها، ويكون ذلك مشيا على الأقدام، إذ لا توجد وسائل النقل الحديثة، وغالبا ما تكون الطرق ملتوية، تمر عبر غابات الأشجار والكهوف والأودية والمنخفضات والمرتفعات، وقد تكون المسافة بعيدة بين المكانين.

وأثناء الخروج من المنزل يتحين الخارجون المكان المناسب والآمن للاختباء، حتى لا يتم العثور عليهم، ويوصي بعضهم بعضاً بعدم القيام بأي فعل يتسبب في العثور عليهم، كالكلام واستخدام الأنوار، وغير ذلك.

أما العريس وأهله فينتظرون مجيء العروس وأهلها ليستقبلونهم بالتبريكات والزغاريد، وحينما يتأخرون عن موعدهم المعلوم يدركون أنهم قد اختبأوا في مكان ما، حينها تبدأ عملية البحث عنهم، فيُنتدب مجموعة من الشباب لهذه المهمة،  يتنقلون بين السهول والجبال، والشعاب والأودية والكهوف..وهنا يحصل أحد أمرين، إما أن ينجح الباحثون في العثور على المختبئين، وهذا من حسن الحظ، فينتقلون معهم إلى بيت العريس، أو يفشلون في البحث والعثور عليهم، فيمكثون في مخبأهم حتى يعودوا إلى ديارهم قرب الفجر، وبهذا يفشل حفل العرس، وكأنه لم يتم، ليتم تحديد موعد جديد، وعرس جديد، وذبائح جديدة.

حصلت حالات نجاح تم فيها العثور على العروس ومن معها، كما حصلت حالات فشل أيضاً.

من التدابير التي يتخذها العريس وأهله حتى لا يذهب عرسهم سدا أن تكون هناك عملية تجسس على العروس ومن معها، فيختفي شخص أو أكثر بجوار ديار العروس، ثم يتبعونهم عند الانطلاق، فحينما يدخلون في مكان الاختباء يأتون إليهم مباشرة، وكأنهم عثروا عليهم بعد بحث، وبهذا يسلم أهل العريس من عناء البحث، ومن الفشل الذريع الذي يحصل لهم، ومن الخسارة التي تلحق بهم.

ومن الأمور التي قد تحصل أثناء الاختباء أن شخصاً من المختبئين يسهل عملية العثور عليهم، فيقوم ببعض الأمور لغرض كشف موقعهم، كأن يكح، أو يتنحنح، أو ينير الإضاءة بالمعدات المتوفرة، وبهذا يحبط عملية الاختباء ويفشلها، ويتمكن الباحثون من تحديد مكانهم، وما من شك في أنه ينال نصيبه من التوبيخ والتهديد.

هذه العادة من العادات المنتشرة قديماً في سقطرى، وقد ماتت كغيرها من العادات، وموتها ليس قديماً، فما زال كبار السن يقصونها، وقد حصلت مع الكثير منهم.

قد يظهر للقارئ الكريم من الوهلة الأولى أن هذه العادة تعد من العبث، ولا جدوى منها غير التعب و النصب، ربما ذلك صحيح،  لكن من المؤكد أنه لا يفعلها الأولون إلا وفيها أمر محمود، ولعله امتحان للعريس وقبيلته في مدى قدرتهم على العثور على المختبئين، وقدرتهم على التحري والتدقيق، وبهذا يضمن أهل العروس أن ابنتهم في أيادٍ أمينة، قادرة على مواجهة الصعاب والتعامل مع الشدائد، لا سيما وأن أغلب سكان سقطرى ذوو طباع بدوية، تعتمد على الامتحان والتمحيص، لتحمل الصعاب، ومجابهة الأزمات.

اترك تعليقا