قشن برس-أحمد الرميلي
تُعد النقوش في أي بلد من أهم المعالم التاريخية المهمة، التي تعطي دلائل، ومعلومات قيّمة عن ماضي البلد.
ولم تعدم سقطرى وجود النقوش الصخرية، التي نُحتت على صخورها، خاصة في سقطرى الأم، أما بقية الجزر التابعة لها – كعبد الكوري وسمحة ودرسة – فلم يُسجل فيها أي نقش صخري حتى يومنا هذا.
سجلت العديد من مواقع النقوش الصخرية في سقطرى الأم، ويعود تاريخها لآلاف السنين، وتعد تلك المواقع من التراث الثقافي الملموس، الذي يقدم دلالات دامغة على عراقة سقطرى، ويغلق الباب أمام من يقول أن سقطرى سُكنت حديثاً، وكانت من قبل غير مأهولة.
توضح تلك النقوش علاقة سقطرى بدول الجوار، وطرق التجارة، والتصدير والاستيراد من وإلى سقطرى، فقد لوحظ في بعضها وجود نقوش بشكل سفينة تحوي شراعاً، كما لوحظ وجود نقوش تشبه أخرى موجود في ظفار والهند.
وتقدم النقوش أيضاَ فكرة عن بعض الطقوس والعبادات التي كانت تمارس قديماً في سقطرى، فقد لوحظ وجود صلبان ورموز ذات دلالات دينية، كما أنها توضح بعض المنتجات المحلية السقطرية التي صدرتها سقطرى قديماً، فقد رُسمت في بعضها شجرة الصبر..ومن المعلوم أن سقطرى كانت تنتج الصبر، الذي يعد من أجود أنواع الصبر في العالم، كما أن تلك النقوش تبيّن أن سقطرى تعاقبت عليها أجيال مختلفة، وعهود متباينة، حيث تجد أن بعض تلك الرسومات تعود لحقب زمنية موغلة في القدم، وبعضها تعود لأزمنة متوسطة، وهكذا تجد تبايناً واختلافاً.
ومن الدلالات التي تعطيها تلك النقوش أن سقطرى وطأها أناس يختلفون في الألسن واللغات، فقد وجدت بعض الأحرف والتراكيب بلغات مختلفة، منها العربية الجنوبية، والحبشية، ولغات هندية، وأخرى لم يتم التعرف عليها حتى الساعة.
ومن المؤسف أن تتعرض تلك النقوش إلى مخاطر محدقة، تحيط بها من كل جانب، حتى تهلكها، وقد حصل الهلاك لبعضها، وبهذا نفقد جزء من تراثنا العظيم إلى الأبد.
فمن تلك المخاطر التنمية العشوائية، حيث تعرضت بعض تلك النقوش لعملية التدمير بسبب تلك التنمية، ومن المؤسف أن تأتي التنمية المدمرة من قبل الحكومة، فقد تعرضت نقوش (أريش) إلى فقدان جزء منها بسبب طريق السيارة الذي طمس بعضها، كما أن موقع نقوش (ضضعهنيتن) قد ناله هو الآخر نصيبه من تلك التنمية غير المدروسة، ووقع عليه الشارع العام في المخطط الذي وضع للمنطقة التي يقع فيها الموقع، لكن بفضل الله ثم بفضل فريق الموروث الثقافي SHP – الذي عمل في سقطرى في العامين ٢٠١٨، و٢٠١٩م- وبتعاون حكومي تم إخراج الموقع من المخطط؛ كما أن موقع (ضأب دملك) – رجل الملك في مومي- يُعتقد أن جزءا منه قد أتى عليه طريق السيارة.
ومن المخاطر التي تداهم تلك المواقع امتلاك الناس للأماكن التي تحتوي مواقع النقوش، فالصخرة التي عليها نقوش (أريش) تعود ملكيتها لإحدى القبائل، وقد تقاسمت تلك القبيلة الأرض، بما فيها صخرة النقوش، ومن المتوقع أن المالك لتلك الصخرة قد يبني عليها، أو يبيعها لآخر؛ لأجل البناء، خاصة أن المنطقة تشهد زحفاً عمرانيا، وهو قريب جداً من منطقة النقوش.
وموقع (ضضعهنيتن) هو الآخر تم بيعه لأشخاص، وتم تقسيمه إلى أراضي سكنية، ووجدت على ظهره علامات لتلك الأراضي المملوكة، لكن من حسن الحظ أن فريق الموروث الثقافي SHP وبتعاون الجهات المختصة وجهات مجتمعية وملاك تلك الأراضي تم إزالة تلك الأراضي الداخلة في منطقة النقوش، وتسوير النقوش، وحمايتها من مخاطر البناء.
ومن المخاطر أيضاً جهل المجتمع بأهمية تلك النقوش، وضرورة حمايتها من العبث، فقد حدث أن تم تنقيب الأحجار في منطقة قريبة جداً من بعض تلك النقوش.
وتزيد المخاطر التي تواجهها النقوش الصخرية نتيجة عدم اهتمام الحكومة والجهات ذات الاختصاص بتلك النقوش، فلم تقم بحمايتها، وإزالة المخاطر عنها، وتسويرها، وتمليكها للجهات المختصة، وسحب ملكيتها من المواطن.
وتعاني النقوش من غياب المختصين والباحثين لدراستها، والبحث فيها بشكل علمي مستفيض، لمعرفة دلالتها وأبعادها وزمنها وقيمتها العلمية، فقد تنطمس تلك النقوش قبل دراستها.
يأمل الكاتب أن يكون قد أعطى فكرة – ولو كانت موجزة- عن دلالات وأبعاد النقوش الصخرية السقطرية، ونوعية المخاطر التي تهدد تلك النقوش، كما يأمل أن يكون هذا المقال باعثاً على الاهتمام بنقوش سقطرى، محركا للراكد في هذا الجانب.