دراسة تسلط الضوء على النموذج القبلي بالمهرة والإستفادة منه في مناطق يمنية أخرى لحل النزاعات

قشن برس-أحمد ناجي

قال مركز “كارينغي” للدراسات في الشرق الأوسط، إن قبائل محافظة المهرة الواقعة في شرق اليمن، على الحدود مع عُمان تلتزم بمدوّنة سلوك في الحوكمة القبلية ساعدت السكان على التوسّط في النزاعات واحتواء الصراعات في منعطفات بارزة من تاريخ المنطقة.

وأفاد المركز في دراسة أعدها الباحث في الشؤون اليمنية “أحمد ناجي” أن هذا النموذج القبلي كان كفيلاً بمنح المهرة والمناطق التي يمتدّ فيها المجتمع المهري قدراً من الاستقرار النسبي، حتى في أزمنة الحرب.

وذكر الباحث أنه في الوقت الذي تتوالى فيه الحرب اليمنية فصولاً، تُشكّل المهرة ساحة صراع على النفوذ بين السعودية من جهة وعُمان من جهة أخرى، بيد أن مدوّنة السلوك المهرية أتاحت لهذه المنطقة البقاء في منأى عن أسوأ التجاوزات التي رافقت الصراع، وساهمت في تقييد النفوذ العسكري السعودي هناك.

أضاف: غالباً ما تُصرَف الأنظار عن المقاربة المهرية، بيد أنها قد تقدّم الدروس والعبر حول كيفية تخفيف حدة التوترات بين الجهات المتحاربة في مناطق يمنية أخرى مزقتها الحرب.

وأكد الباحث أن خمسة تقاليد قبلية قي المهرة متعلقة بالحرب ساعدت على أمن واستقرار المحافظة أولها أن التضامن بين المهريين عابرٌ للقبائل. فمع أن قبائل المهرة تتنازع فيما بينها أحياناً، وقد تستغل أطراف خارجية هذه الخلافات، بيد أن هذه الجهات الخارجية لا تتمتع سوى بهامش محدود للتصرّف داخل المجتمع المهري، فما إن يشنّ طرف خارجي هجوماً مباشراً على قبيلة أو شخص من المهرة، حتى يقف معظم المهريين صفّاً واحداً ضد الغريب، بغضّ النظر عن انتماءاتهم القبلية.

ولفت إلى أن التقليد الثاني يتمثل في أن الدم لا يصبح ماء لدى المهريين: فالانقسامات بين القبائل لا تبرّر الانجرار إلى الفتنة، كما أن ارتكاب أعمال عنف على يد مهريين ضد آخرين من أبناء جلدتهم لايزال من المحرّمات.

وأضاف: صحيحٌ أن العنف بين القبائل المهرية نادرٌ، إلا أنه يحدث بين الفينة والفينة، لكن العنف ضمن العشائر أو المجموعات الفرعية داخل القبيلة نفسها يكاد يكون غير وارد إطلاقاً.

وأشار: إذن، تكمن المفارقة في أن الانشقاقات ضمن القبائل نفسها تسهم في مناهضة العنف أكثر مما تفعل الانقسامات في ما بينها. فقد تقيم هذه العشيرة أو تلك تحالفاً سياسياً مع طرف خارجي، لكنها ستتمنّع عن استخدام القوة بالنيابة عن جهات خارجية. ويعود السبب في ذلك إلى وجود أحلاف قبلية تاريخية بين مختلف فئات المجتمع المهري.

وقال الباحث في الدراسة إن حمل السلاح في الثقافة المهرية لا يعني بالضرورة استخدامه، فإذا رغبت قبيلة مهرية في استعراض مهاراتها القتالية أمام قبائل أخرى أو جهات خارجية، ستعمد في غالب الأحيان إلى تنظيم عرض شبه عسكري، وهكذا، تظهر القبيلة أنها مجهّزة للانخراط في حرب من شأنها أن تكبّد أعداءها خسائر جمّة.

وتابع انه في بعض الحالات، أفضت مثل هذه الاستعراضات إلى تقليص احتمال نشوب أعمال عنف منظّمة من خلال تقديم صورة واضحة عن قدراتها أمام الخصوم، وهو الأمر الذي يدفع مشايخ القبائل النافذين الذين يملكون صلاحيات اتّخاذ القرارات، إلى تجنّب الأكلاف الباهظة للصراع والتحلّي بالحكمة اللازمة لتقديم التنازلات والتوصّل إلى حلول وسط.

وذهب الباحث إلى أنه عندما ينشب نزاع مسلّح بين القبائل المهرية، لا تذهب الغنائم إلى الطرف المنتصر، بل على العكس، يقع عبء تحقيق المصالحة على كاهله، إذ يتوجّب على الظافر منح خصمه المهزوم تعويضات مالية تغطّي قيمة الخسائر التي مُني بها.

وبحسب الدراسة: يمثّل هذا رادعاً مادياً يثني القبائل عن خوض نراع مفتوح مع بعضها البعض، حتى وإن كانت الفرص كبيرة بإحراز الفوز. على سبيل المثال، طبّق السلطان العُماني الراحل قابوس هذا التقليد بناءً على فهمه للأعراف القبلية لمنطقة ظفار التي تتقاسم الجغرافي والعادات والتقاليد مع قبائل المهرة في أعقاب ثورة ظفار. ففي الثقافة المهرية، النصر العسكري عبء ثقيل الوطأة.

وأفاد الباحث في دراسته أن من التقاليد التي ساعدت على ابعاد المهرة عن الصراع التوسّط السريع والمباشر بين القبائل الذي ينجح غالبا في الثني عن أعمال العنف أو على الأقل في تضييق نطاقه، لافتا إلى أنه حين تنشب خلافات بين القبائل، غالباً ما يضطلع مشايخها بدور الوسيط والمحكّم بين الفصائل المتخاصمة لإخماد جذوة التوتر ومساعدتها على حل النزاعات قبل أن تصل الأمور إلى حدّ الاقتتال الشرس. ففي المجتمع المهري، تتداعى الوساطات القبلية بصورة كبيرة، وتمتلك القبائل هرمية قبلية تمكنهم من الانتظام الذاتي، وحل أي خلافات قد تظهر.

 

اترك تعليقا