خيال فريد في مرتفعات غابة فرمهين العظيمة

قشن برس- سالم غانم السقطري

تخيل نفسك بمعزل عن العالم في أعالي مرتفعات “روكب دفرمهين” حيث آخر غابة لأشجار دم الأخوين في الكرة الأرضية، وهناك لا شيء يزعجك سوى زقزقة اصوات مختلفة لطيور نادرة تتقفز من غصن إلى غصن فوق أيقونة سقطرى.

في ذلك اليوم وبالتحديد في العصر، قررت أن اترك السياح البريطانيين الذين جاءوا إلى الجزيرة لدراسة نباتات الجزيرة وخرجت لأتفسح في الغابة لبعض الوقت.

هرعت إلى قمة فرمهين حتى وصلت عند أكبر شجرة اعريهب (شجرة دم الأخوين”، ربضت بوضعية ” اللوتس” كم يفعل بوذا العظيم أسندت ظهري على جذعها العتيق.

وفي لحظة استمتاع فريدة طفت بنظري حول المكان فوجدت مساحة مسطحة تمتد أمامي مكتظة بأشجار الدم الأخوين ونباتات عطرية نادرة، وفي الأسفل شاهدت وادي” دٍرهور ” أخدود سقطرى العظيم في منحدرات ضيفتي تنمو أشجار سقطرية نادرة “كرتب ، إسفد، طيف، دريفان  وشجيرات دم الأخوين اختبت من الرعي الجائر.

وفي أسفل الاخدود برك مائية تعكس منظر الوادي للقادمين من العقبة.  فوقي في سماء الله تحلق “نهيمة” صقر سقطرى النادر بحرية مطلقة، ناظراً إليه متمنياً يكون لي جناحين أطير بحرية واستطلع الغابة من السماء. لوحدي في القمة متأملا ً كل الأشياء من  حولي وكأني أراها لأول مرة في حياتي ،وانا الذي أرشد السياح للغابة لمرات عديدة .

شعور غريب انتابني، غمضت عيني وشرعت بالصلاة الصمت داعياً الله أن يحفظ هذا الجمال والتنوع الحيوي الفريد وينعم علينا بالسلام والأمان.

وفجأة اختفت اصوات العصافير نظرت لساعتي أدركت توقيت الإنجليز يداهمني، بطاقة إيجابية ركضت إلى المخيم، من بعيد تظهر خيام “إيكو تورز” منتصبة في ساحة المخيم أتقن الخياط صنعها بشكل شجرة اعرهيب وجدتهم معتكفين على العينات النباتات فوق الطاولة تحت شجرة اعرهيب.

– حيّاني إيان مدير المجموعة: هاي قد أتيت..  اين كنت؟

– رديت مازحاً : كنت أعمل ميديتيشن ” يوجا”

– واو..  أجمل مكان في الكرة الأرضية لليوجا!

سحبت الكرسي جلست بين الإنجليز تحت الشجرة أقص عليهم اساطير الشجرة المقدسة “اعرهيب” وكيف كان أسلافنا يعالجون بقطرات دمها المتيبسة امراضهم.   وكيف كانوا حريصين على الاستفادة من أغصانها لصناعة ادواتهم المنزلية من حصير وأحبال. ومن جذعها الميت المجوف يصنعون الطبول و “جبوح” بيوت النحل.

وأيضاً النساء إلى هذه اللحظة يستخدمن بودرة دم الأخوين لتنظيف وتجميل بشرتهن. ينصتون ينظرون إلي  منبهرين  بكل كلمة اقولها  ، وبعضهم كانوا حريصين على كتابة كل هذه المعلومات في ملاحظاتهم ، من حيث خيمة المطبخ الطبّاخ”كوك” إيكو تورز المميز  ابو سعيد يأشر لي  بيديه  الشاي والسناكس جاهز .ولكي اعدهم لشاي قفلت الشرح بعبارة :

ولهضم هذه المعلومات في اذهانكم، حان الآن وقت الشاي المركٌز.

ضحك الجميع. . نعم انت على حق. دقائق إلا وبو سعيد وعبد الله علي حاملين دلات شاي وصينيات سناكس ووضعوها بكل حنان على الطاولة.  زمان كان عندي اعتقاد جازم أن نحن السقاطرة اكبر شعوب العالم تسكر بالشاي، آسف ، تشرب شاي ! ولكن بعد معايشتي البريطانيين لاحظت أنهم أكبر سكارى الشاي في العالم.

بعد وجبة عشاء دسمة متنوعة، جهّز طاقم إيكو تورز  موقد نار جميل في وسط ساحة المخيم دعيت الجميع إلى الموقد وجلسنا بشكل دائري حوله منتظرين عيسى  الذي  اتفقت معه في الصباح في بيته أسفل الغابة على مشاركتنا عزف الناي السقطري ” كارب”، وعلى الموعد الإنجليزي  ظهر  عيسى حاملاً بين إحدى خاصرتيه “كارب”  قصبة نحاسية ، صافح الجميع ثم  عرفتهم بأنه  أبرز عازف ناي في سقطرى حالياً وأنه شارك في العديد من المهرجانات في الجزيرة.

وبثقة عالية تربع بين طاقم “إيكو تورز” عند الموقد وأخرج آلته من خصرته تحت المعوز وبدأ بمقطوعته البدوية الحزينة “المعزة الشاردة”.

وعلى النغمات الحزينة وأضواء نجوم كثير في السماء نردد بداخلنا المقطوعة الحزينة وكل واحد منا يبني لها كلمات التي تناسب أحزانه وأهاته وأحلامه. انتهى عيسى من العزف صفّق الجميع لهذا الفن الشجي الجميل، ثم بدأ بمعزوفة ثانية ثم الأخرى تأسر القلوب حزناً وفرحاً.  في تلك الليلة الحنونة قدر هذا البدوي البسيط بعزفه أن يحرك مشاعرنا ويقلب مواجعنا الدفينة. بعد ما ذهب الجميع للنوم بقيت انا ومدير المجموعة والمصورة ماريا نناقش برنامج الأيام المقبلة، بعد ما انتهينا، سألت إيان ايش تتمنى في هذه الليلة جاوب:

– لو يحصل..  اتمنى أن يكون لي كوخ في هذه الغابة ومعزتين واعيش بحرية بعيد من ضجيج المدن.

-واو جميل جداً. . وأنتي ماريا أيش تتمنيين؟

– ردت الأنثى: اتمنى أن أعيش انا وحبيبي في هذه الغابة منعزلين عن العالم وبعد ما نموت يعملوا لنا قبر جميل مع بعض ومن قطرات دمنا تنمو أشجار دم الأخوين صغيرة، وكذا تبقى الغابة للأبد.

إيان: انت يا سالم ما قلت لنا ايش تتمنى؟

-انا.. اتمنى أن تكون لنا قوة غارقة كما التنين الصيني ونبني سور عظيم حول الغابة نحمي الأشجار النادرة، وأضفت ضاحكاً: ونحمي قبر العاشقين.

–  ردت ماريا ضاحكة: واو هذا جميل جداً. .  شكراً لك بحجم أشجار الغابة!

– إيان :  شكراً لك يا سالم على كل هذا . . وفعلاً هذه الليلة من أجمل الليالي. اعتقد الآن يجب علينا أن ننام لأن بكرة يوم كبيرة.، المشي إلى غابة سكند الشهيرة. توادعنا:

–  طابت ليلتك. . احلام سعيدة!

–  ولكما أيضاً!

ذهب كل واحد منهما خيمته، بينما أنا جالس على آخر ضوء جمر الموقد أناجي معزتي الشاردة في” بنجلور” أن تأتي تواسيني وتملأني عطفاً وحناناً. استجاب الله مناجاتي وحضرت الجميلة في حلم جميل في غابة فرمهين.

اترك تعليقا