قصص الجن في الأدب السقطري

أحمد سالم العامري

الأدب السقطري كغيره من الآداب العالمية والعربية والشعبية استنطق الحيوان والنبات والجمادات وعبر عن تناغمها وتفاعلها مع الإنسان وصور حواراتها وسألها عن ظروف الحياة وأحوال معيشته وشكا إليها اعتداءات بني جلدته وقسوة الزمن  واستعان بها لنصرته.

وفي الأدب العالمي القديم قصص عدة جاءت على لسان الجن كقصة جلجميش وعشتار وغير ذلك، وكذلك نجد في الأدب العربي حكايات وأشعار عدة على لسان الجن وقد اشتهر أغلب شعرائهم بأن لهم تابع من الجن يملي عليهم جيد الأشعار كما اشتهر وادي عبقر في نجد بأنه وادي الجن يذهب إليه الشعراء يبحثون عن تابع متين يستقوون به على خصومهم من الشعراء.

وفي الأدب السقطري بنوعيه الشعري والسردي الكثير من الحكايات والأشعار في هذا الخصوص وفي العهد الغابر كان بعض الشعراء يقوم ببعض الحركات الاستعراضية قبل أن يلقي قصيدته ومنهم من يهيم في الخلوات والفلوت والأودية وكان له طراز خاص في لباسه وتركيب عمامته وكثافة شعره وتصفيفه.

وقد تعرف الناس على نوعين من العالم الآخر غير الأنس أحدهما: جن عدواني يكون مع السحرة والكهان وتكون أنثى هذا النوع تتعمد إغواء الناس وإخافتهم وكثير ما يحكي الناس إلى يومنا هذا عن مشاهدات من هذا النوع حصلت لهم وكثير منها مزيد بالمبالغات والتلفيق.

والثاني: جني مسالم  يكون تابع للأشراف والسادة وربما المشايخ وعلية القوم والأنثى من هذا النوع تسمى حديبوه وربما جاءت تسمية العاصمة(حديبوه) منها كونها اشتهرت في كثير من بيوتات العاصمة حيث كان الناس يستودعون بيوتهم عندها فتقوم بالحراسة على أكمل وجه بحيث لو أتى سارق أو مخرب للدار أو غريب عنها تؤديه والبعض منهم يكلمها ويذكر لها قرابته من صاحب البيت، وقد كانت إلى عهد قريب في بعض البيوت في العاصمة والقرى المجاورة لها لا بد أن يترك لها أواني المياه مترعة بالمياه.

وقد تعرف الناس على ما يغضب الجن فابتعدوا عنه كما تعرفوا على الأساليب والتصرفات المحببة إليهم من ذلك ما ذكرناه أعلاه من اتراع أواني المياه وكذلك ترك بعض الأطعمة أو مساعدتهم في وقت الشدة يذكر أن رجلا وجد جنية ولدت طفلاً فخلع ردائه وأعطاها وقدم لها اللبن فشكرت له صنيعه وقالت له إذا مر بك وقت شدة واحتجت إلى المساعدة(حاروس) يعني نادني بأسلوب المغلوب بقولك:(يايحاس) هكذا كانوا يقولون حينما يفوتهم شيء ومرت الأيام وكان الرجل وحيدا يمتلك كثيرا من الغنم ويسكن مع عمه وفي يوم من الأيام من خلال معرفة عمه بالمناخ وتقلب الطقس تفرس أن المطر ينزل بغزارة فأراد الكيد لا بن أخيه فأرسله مع ابنه إلى مكان لا يستطيعان العودة منه إلا ليلا لكي لا يتمكن من تدبر شؤون أغنامه وتجنيبها من المطر وقام هو وابنه الآخر بحفظ مواشيهم في كنن عن المطر

وفعلا وقع اعصارا قوياً وتدفقت مياه غزيرة منذ ساعات المساء الأولى إلى الصباح فأسقط في يد الرجل وحار في أمره وعمه تحول كالمنتصر فتذكر الرجل أمر الجنية فخرج وناداها كما أوصته مستغيتاً(يا يحاس يا ديناسر عن دكان حار) والمعنى يا يحاس أسلوب استغاثة ديناسر أي يا ناصر عن دكان حار عما وقع اليوم، وفي الصباح خرجا فاقدا للأمل عسى أن يجد ولو غنمه واحدة فرأى سوادا من بعيد وعندما قرب رأى امرأة تدود الأغنام وتحرسها من كل اتجاه ووجد أغنامه بخير وسلامة جميعها ما عدا عرستين أخذهما المطر قبل أن ينادي عليها الرجل فاعتذرت منه وعللت ذلك بتأخره في النداء، يقال أن المكان الذي حرست فيه الجنية الأغنام تحول إلى بركة كبيرة يقال لها(ليم دقاشن) ومعنى ليم بركة وقاشن الجن، وذلك من آثار دوران الأغنام وجري الجنية لحراستها، أما عن عمه فقد تهدم الكهف الذي كنن فيه أغنامه فماتت ولم ينجو منها سوى عدد قليل.

ومن معرفتهم بأمر الجن علمهم بالحروز التي تمنع الجن من الاقتراب من الشيء وهناك أساليب في هذا الأمر منها معفق وهو جعل على الطعام أو على البيت شيئا ولو بسيطاً كعلامة لعدم السماح بتناوله وغالبا ما تكون سكينا أو عصا أو شجرة من الأشجار التي لا يحبها الجن ومن هذه الأشجار(امتا) وهي شجرة لا أوراق لها وأغصانها تشبه الأصابع دمها أبيض وهي لاذعة تعمل حساسية للعين وللجلد فهذه الشجرة لا يقرب منها الجن يذكر أن رجلا من مومي شرق سقطرى كمن لفريق من الجن يسمون (دمنمه) كانوا مشتهرين بكثرة مواشيهم وقد كان الناس يسمعون أصواتهم وأصوات أغنامهم في ظعنهم من مكان إلى آخر وقد يستدلون على ذلك بنزول الغيت إذا ذهبوا شرقاً إلى مومي وبالجفاف إذا عادوا إلى أماكنهم الخصبة في أعالي حجهر وغيرها من المناطق الوسطى فاستطاع الرجل الامساك بتبيع من أبقارهم فتبعه الجني فاحمتى بشجرة (امتا) وقطع آذان التبيع وعندما رأى الجني دي منمه ذلك تركها وقال شعراً:

لرجم عك امتا دحوليك    دكوفك ما يه بصالعهتن

فقام الرجل بتربية البقرة حتى ولدت وفرح بها لأعتقادهم أن مواشي د منمنه سريعة الانتاج غزيرة الألبان ولكنه عندما حلبها خرج لبنها دماً فكبه في الأرض وتركها أياما وفي كل مرة يحلبها يخرج الدم فشكا لرجل من حجهر فقال له الرجل أبدلك بها بقرة فيها لبن فرضي الرجل وأخذ صاحب حجهر البقرة فاحتلبها وشرب لبنها على صورته كالدم وفي اليوم الثاني تحول حليبا أبيضا صافٍ فقال الجني شعرا يعتب على الرجل الأول صاحب مومي:

بك عموك بر أل ستوبت بتبحت بزراج

عر بوج بحجهر ستوبت كعيوج المحازج

ومعنى كلامه أنه توقع أن بقرته ما تثبت في زراج مومي إلا في حجهر عند قوم يعرفون التعامل مع البقر.

وهناك قصة أخرى فيها دلالة على ما قلناه من معرفة الناس بالأساليب والعادات التي تحجب الجن عن التصرف أو الاعتداء عليهم وهي أن امرأة خرجت مع أهلها في رحلة ظعن إلى مكان بعيد للبحث عن العشب فنسيت ولدها في(الزنج) المرجيحه في البيت وانخدعت في ذلك بمكتل علقته على كتفها  وقطعت المرأة مسافة طويلة وفي الطريق انقطع خيط القف أو المكتل الذي تحمله ففزعت وظنت أن ابنها سقط على الأرض وعندما تأكدت من الأمر ظهر لها أن نسيت ولدها فرجعت تجري وتصيح وتبكي وتولول وتندب حظها وخسارة ولدها وعندما صارت قريبة من البيت سمعت امرأة تنشد تهويدة للطفل بصوت عذب ولحن شجي يصف نسيانها قائلة:

سعه وسعه عاديهن اعتباظه ولا ذكاروه   كارهن لصاطر دكاروه لشرعهن عم تباظك

سؤهور بيناكي عاللهمك        امتا بحاه عالندق هك

بر شك معوطهن الحصهين    بصهاصحهين عالظريك

ومعنى البيت الأول: سبع وسبع من الثنايا والقمم عبرت ولم تتذكر إلا حينما انقطع خيط القف

ومعنى البيت الثاني: شجرة سؤهر حجزت بيننا لكي ما ألمسك وفي الفم شجرة امتا تحجزني عن اعطاءك الطعام واللبن.

ومعنى البيت الثالث: قد معك سكاكين مصفحة تحجزني لا أسليك بالألعاب الصوتية الأخرى.

وهذه كلها من وسائل حجز الجن من الاقتراب من الديار والأطفال والأطعمة وغير ذلك من الأشياء الثمينة.

وهذا مجرد نقل للتراث  وليس إيمان به كما ينبغي التنبيه أنه ليس كل الناس معتقدين بنفع عالم الجن ورؤيتهم أو الأخذ من مقتنياتهم

دمتم ولكم مني التحية

 

المصدر: المهرية نت

اترك تعليقا