كيف ابتلعت شركة إماراتية كهرباء سقطرى تحت غطاء “الإغاثة”؟!
قشن برس – تحقيق حصري:
لم يُصَب حامد بالصدمة بفاتورة كهرباء شهر ديسمبر/كانون الثاني 2021، عندما كانت قيمتها أكثر من 70 ألف ريال يمني، فالأمور كذلك منذ سنوات في “حديبوه” مركز محافظة أرخبيل سقطرى اليمنية على بحر العرب.
حامد السقطري ضمن مئات العائلات والمحال التجارية التي تعتمد على شركة “دكسم باور” الإماراتية في معظم مناطق سقطرى، وهي شركة تجارية تقوم بتوليد الكهرباء لصالح السكان منذ عام 2017م.
وخلال الأعوام الماضية استمرت وسائل الإعلام الإماراتية واليمنية المقربة منها في الإشارة إلى أن أبوظبي تقوم بإسعاف سكان حديبوه وقلنسية، مثل صحف الاتحاد والبيان والخليج-الرسمية الإماراتية-، وعدن تايم والأيام و4مايو. وتقول التقارير الرسمية الإماراتية إن “مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية” هي التي تقوم بعملية توصيل التيار الكهربائي.
يحاول “قشن برس” (وهو موقع إخباري متخصص بمحافظتي المهرة وسقطرى) معرفة حقائق تلك المعلومات المنشورة، وارتباطها بـ”التضليل الإعلامي”. ولأجل ذلك قمنا بالتواصل مع 10 مصادر بين مسؤولين وعُمال إغاثة، وقيادات تابعة للمجلس الانتقالي في مسعى لمكافحة التضليل المستمر حول دور الإمارات في أرخبيل سقطرى والإجابة على تساؤلات: هل حقاً استحوذت الإمارات على الكهرباء؟ وما الدور الذي لعبته مؤسسة خليفة في هذا الملف؟ وأين اختفت مؤسسة الكهرباء الحكومية وأصولها في الجزيرة؟.
السيطرة تدريجياً وتدمير ممنهج
يقول مسؤولون محليون لـ”قشن برس” إن “شركة دكسم باور” الإماراتية العاملة في سقطرى استحوذت تدريجياً على تزويد سكان سقطرى، وإقصاء مؤسسة الكهرباء الحكومية في الأرخبيل اليمني، وبدأت الخطة تدريجياً بشكل واضح منذ 2019م. ولم تحصل “دكسم باور” على ترخيص للعمل في الأراضي اليمنية من الحكومة المعترف بها دولياً والتي يفترض أنها تتلقى دعماً من دولة الإمارات العربية المتحدة في الحرب التي تدخلها عامها الثامن.
قال أحمد عبدالولي وهو مسؤول في السلطة المحلية -الموالية للحكومة المعترف بها دولياً- إن الإمارات تدير بشكل كامل “الكهرباء” في سقطرى، إضافة إلى الخدمات الحكومية الأخرى من “توفير المشتقات النفطية والغاز المنزلي” و”تتحكم بالسياحة” و”تدير المطار الدولي الوحيد في الأرخبيل” كما تسيطر على الميناء الرئيسي، ولها نفوذ وسيطرة في معظم المجالات الأخرى.
ولفت المسؤول إلى أن “الإمارات أدخلت شركة دكسم باور كـشركة كهرباء خاصة إلى الجزيرة لتشغيل الكهرباء في أحد المصانع التابعة للإمارات في سقطرى، لكنها توسعت بعدها إلى المناطق وبتشغيل مجاني للمواطنين دون التنسيق أو إذن مسبق من السلطات المحلية بالجزيرة”.
وتابع: “الإمارات تدير فعلياً جزيرة أرخبيل سقطرى بعيداً عن أي سيطرة للحكومة اليمنية، تحت غطاء الأعمال الإنسانية خاصة عبر مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية، والهلال الأحمر الإماراتي”.
في مؤتمر صحافي في أغسطس/آب2018 لمحافظ المحافظة رمزي محروس، حضره مراسل “قشن برس”، أشار إلى نيّة الإمارات السيطرة على قطاع الكهرباء وقال إن: الإمارات حاولت تشفير منظومة الكهرباء بعد إقالة مدير المؤسسة السابق من مهامه وقامت بربط معاكس لكابلات نقل التيار الكهربائي فيها بغية إحداث شرت وتفخيخ الشبكة من خلال الربط المعاكس لها.
وأضاف محروس: بعد ملاحقة الفاعل والتحقيق معه أكد أن عمله هذا أتى بتوجيهات من “أبو مريم الإماراتي”، وهو أحد ضباط الإمارات العاملين في سقطرى التابعين لمؤسسة خليفة وقال إنه “أمرنا بتغيير ربط الكابلات وتشفير المنظومة حتى لا تتمكن السلطة من تشغيل الكهرباء”.
ويشير المسؤول في السلطة المحلية “عبدالولي” ومسؤول آخر في مؤسسة الكهرباء الحكومية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خشية تعرضه للملاحقة، إلى أن السيطرة الفعلية بدأت في 11 سبتمبر/أيلول2019 عندما “اقتحم مسلحون دربتهم وموّلتهم الإمارات في سقطرى بطلب مباشر من “خلفان المزروعي” مدير مؤسسة خليفة، مقر مؤسسة الكهرباء، وقاموا بتسليمها لشركة ديكسم باور”.
وأضافا أن الموظفين في مؤسسة الكهرباء “حاولوا منع فريق ديكسم باور ومؤسسة خليفة من الدخول لكنهم اقتحموا المؤسسة بالقوة وبحماية من الميليشيا التي رافقتهم”. مشيرين إلى أنه تم “تكسير بوابة المؤسسة والهنجر الذي كان بداخله المولدات وتم جلب رافعتين تابعة لمؤسسة خليفة وقاموا بمصادرة ونقل المولدات من المبنى إلى حوش محطة آذنوك الإماراتية”.
لاحقاً خلال الأشهر التي تلت الاقتحام يقول عبدالولي ومسؤول في مؤسسة الكهرباء إن الإمارات: عملت على تدمير ممنهج لمقر المؤسسة ونهبت كل تحتويه المؤسسة من مكائن وخزانات ومقطورات نقل النفط، وعملت على مصادرة المكائن وعطلت الشبكات والأسلاك الكهربائية، ومارست العبث بالأسلاك وخطوط الضغط العالي، وعملت مؤخراً على استبدال العدادات الحكومية بعدادات إلكترونية تعمل على بطاقة ائتمانية.
وثائق تكشف حجم السيطرة
حصل “قشن برس” على وثائق تبيّن حجم سيطرة “ديكسم باور” على كهرباء سقطرى. من بينها وثيقة تشير إلى النهب الذي حصل يوم 11 سبتمبر/أيلول2019: نهب مولد كهرباء بقدرة 750 كيلو فولت أمبير واثنين من المحولات الرافعة بقدرة 2000 كيلو فولت أمبير، ونُقلت عبر قاطرة تابعة لمؤسسة خليفة، كما قاموا بنهب ستة مولدات أخرى ونقلها. ونهبت كابلات مغذية للمولدات من المحطة القديمة كما قاموا بفصل الكابلات المغذية لمدينة حديبوه من المحطة التي تم إنشاءها من قبل البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن.
فيما تشير الوثيقة الثانية المؤرخة في 10 سبتمبر/أيلول2019 إلى أن “شركة ديكسم باور قامت بالاعتداء على محطة قلنسية وفصل جميع محولات المحطة الهوائية، وهي محطة قام بصيانتها البرنامج السعودي”.
وقال مسؤول في مؤسسة الكهرباء إن المجلس الانتقالي الجنوبي وميليشياته في سقطرى: قاموا عقب السيطرة على المؤسسة بنهب تمديدات الكهرباء إلى المناطق واستبدلوها بتمديدات خاصة بشركة “ديكسم باور”، وبدأت الشركة بالتوسع والسيطرة بسرعة.
في وثيقة بتاريخ 06 يناير/كانون الثاني 2021 تشير إلى أنه جرى “خلع عدادات المؤسسة العامة للكهرباء فرع سقطرى الخاصة بالشريحة التجارية والصناعية، وتم استبدالها بعدادات دفع مسبق من قبل شركة ديكسم باور الإماراتية وفرضت رسوم عدادات الدفع المسبق على المستفيدين بمبلغ 225000 و350000.
ويرد مسؤول في شركة دكسم باور تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بالقول: مسألة استبدال العدادات تعود إلى خطة أعدتها الشركة لتقليل حجم الاستهلاك وبما يضاعف من قوة التيار الكهربائي خصوصاً وأن هناك عشوائيات كانت من قبل مما تسبب في حرق بعض نقاط الكهرباء وخرجت عن الخدمة لأشهر، بعد الجلوس مع قيادة الانتقالي ومشائخ سقطرى عملنا على تنفيذ هذا الخطة التي تسهم بشكل كبير في انتشال قطاع الكهرباء، ومسألة الرسوم فرضت وفق توجيهات عليا.
ولم يحدد المسؤول في الشركة “الجهات العليا” التي يتحدث عنها.
توقف مئات الموظفين في كهرباء سقطرى عن العمل، وعلى غير الوعود التي قطعت بدفع رواتب هؤلاء الموظفين فإن المبالغ المالية المحصلة من قبل “ديكسم باور” كإيرادات تعود بالفائدة لصالح الشركة الإماراتية – كما تفيد الوثيقة.
وقال مسؤولون في سقطرى تحدثوا لـ”قشن برس” إن “ديكسم باور استخدمت كادر غير كادر المؤسسة العامة للكهرباء حيث استخدمت موظفين أجانب من خارج اليمن إضافة إلى كادر محلي من خارج محافظة سقطرى”.
وقال المسؤول في مؤسسة كهرباء سقطرى: “دخلت شركة ديكسم باور بطريقة عشوائية، ولا توجد أي وثيقة رسمية تفوضها بالاستثمار في الكهرباء في سقطرى غير اتفاق مؤسسة خليفة مع المحافظ السابق سالم عبدالله للمساعدة في تحسين الجانب الإداري، لكن شركة ديكسم في شهر ديسمبر/كانون الأول 2019 تجاوزت ذلك وأصبحت تتحكم في الجانب الإداري والمالي والفني وأصبح عمل الشركة استثماري بامتياز تشتغل وكأنها مؤسسة يمنية”.
ويضيف: “عمل شركة ديكسم باور خارج عن النظام والقانون ويعاقب عليه القانون، ويعد عمل الشركة مخالف ولا يسقط بالتقادم، ولا توجد أي اتفاقية مع الحكومة اليمنية أو المؤسسة العامة للكهرباء بخصوص عمل ديكسم باور في سقطرى”.
ويؤكد ذلك أحمد عبدالولي بالقول: لا يوجد هناك تصريح أو تكليف من السلطات المحلية بالمحافظة لتولي شركة دكسم باور الإماراتية ملف كهرباء جزيرة سقطرى.
وفي رد على تساؤل حول ترخيص دكسم باور إذا كانت مُنحت ترخيصاً من المجلس الانتقالي الجنوبي، يقول المسؤول في المجلس وهو يشيد بجهود “دكسم باور” إنه لا يعرف بوجود ترخيص للشركة الإماراتية لكنه يقول إنها موجودة قبل سيطرتهم على حديبوه في 2020. ويضيف “ما يهم أنها تخدم سقطرى وتتبع مؤسسة خليفة الإنسانية”.
وكيف تحصل الشركة على المازوت لتشغيل الكهرباء؟!، يقول عبدالولي: تحصل بقوة السلاح وبدون إذن الحكومة إمدادات النفط من مازوت وزيت لتشغيل الكهرباء من شركة أدنوك الإماراتية التي تمتلك محطات للمشتقات النفطية بالمحافظة وهي تستقدم ذلك من دولة الإمارات عبر السفن البحرية.
ويؤكد ذلك المسؤول في شركة ديكسم باور الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: نتلقى المازوت والمواد اللازمة للتشغيل من أبوظبي عبر شركة آدنوك.
أما حول مناطق السيطرة يقول مسؤولون في سقطرى: حالياً تسيطر دكسم باور على كافة مناطق الارخبيل لكن بعض المناطق لم تقم بالعمل عليها بعد، فيما تتحكم بكل الطرق والخطوط كما يحلوا لها وبحماية عسكرية.
ويشير عبدالولي: ما قبل سيطرة المجلس الانتقالي على سقطرى، لم تسيطر شركة دكسم باور إلا على مناطق محدودة مثل مناطق حديبوة وقاضب وقلنسية، فيما توسعت بعد السيطرة إلى موري والشريط الساحلي الغربي وإلى أرجاء الجزيرة حالياً.
بالنسبة للقرى البعيدة والنائية فهي تعتمد على الطاقة الشمسية للحصول على “الكهرباء” في مناطقهم منذ سنوات طويلة.
وحول خطط الشركة في المستقبل القريب قال المسؤول في شركة “دكسم باور”: هناك توجيهات عليا بتوسيع الكهرباء حتى تصل إلى كافة القرى بالجزيرة، ونقدم خدمة مجانية شهريه تتجاوز 100 ميجا واط بعدها يبدأ العداد تلقائيا بتشغيل نظام الدفع وهذه الخطوة تهدف للحد من الصرف والاستهلاك للطاقة الكهربائية”.
التكلفة الباهظة
في بداية الأمر يقول السكان إن “ديكسم باور” انتشرت ولقيت تأييداً لأنها كانت تقوم بتشغيل الكهرباء مجاناً لكن “بعد أن توسعت وسيطرت على ملف الكهرباء بسقطرى انتقلت من التشغيل المجاني للسكان إلى فرض رسوم مالية شهرية، وشرعت في تركيب عدادات كهرباء إلكترونية بدلاً عن العدادات الحكومية”.
حتى منتصف فبراير/شباط 2022 تجبر الشركة السكان على دفع ما يقارب 250 ريال يمني على الكيلو الواحد.
يدفع سكان الإمارات (الأجانب) أقل بكثير من سكان سقطرى مقابل الكيلو الوات الواحد، حيث يدفعون 28 فلساً أي نحو 19 ريال يمني، ووصول تعرفة كيلو الوات الواحد إلى مابين 250ريال يمني-4000 ريال يشير إلى أن الهدف التجاري لـ”دكسم باور” يتم تقديمه كمساعدة إغاثية. وهو أعلى بكثير مما كان يدفعه السكان لمؤسسة الكهرباء الحكومية.
وقال المسؤول في مؤسسة كهرباء سقطرى: بالنسبة للتعرفة وتكاليف الكهرباء لشركة ديكسم لا توجد تعريفة موحدة واضحة، والأمور بعشوائية تدار وهناك ثلاث تعرفات إذا تجاوز المستهلك الأولى والثانية تبدأ التعرفة الثالثة بـ 240 على الكيلو الوات الواحد وهذه تعرفة كبيرة ولا تقارن أمام تعرفة المؤسسة العامة للكهرباء، أما عن الفارق فقد كان المواطن في السابق يدفع قرابة سبعة ريالات فقط.
وهذا يتعارض بالفعل مع دخل السكان حيث يبلغ متوسط دخل السكان في هذه المحافظة (41,155) وفق بيانات رسمية في عامي (2013-2014).
بالنسبة ل”حامد” فهو يعتمد على تحويلات من أقاربه في السعودية والإمارات، لكنه يقول إنه مع ضعف الأعمال خلال العامين الماضيين بسبب كورونا- كوفيد-19- أصبحت التحويلات قليلة.
أما المحلات التجارية فالتكلفة كبيرة للغاية ومختلفة من محل لآخر وقال المسؤول في مؤسسة الكهرباء: شركة دكسم أساساً هي تمتلك ميزانية تشغيلية خياليه تقدر بمليار ريال يمني مقدمة لها من دولة الإمارات عبر مؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الإنسانية، وفوق ذلك تعمل على فرض رسوم مالية بمبالغ كبيرة جداً على أصحاب المحلات التجارية تتجاوز 800,000 ريال يمني شهرياً وأدنى سقف هو 600,000.
ما يعني أن ما تقدمه مؤسسة خليفة ويحسب على “أرخبيل سقطرى” كمساعدات تحوّل لصالح شركات تجارية للسيطرة على سوق المحافظة.
بالنسبة لـ”حامد” وسكان سقطرى فإن السيطرة على الكهرباء، واستغلالها ضدهم واحدة من المشكلات العديدة التي تسببت بها سلطة الأمر الواقع “المجلس الانتقالي الجنوبي”، بعد أن سلمت كل القطاعات الخدمية، التي يُفترض أن تكون للمواطنين بسعر رمزي، إلى خصخصة مخيفة تنذر بمستقبل سيء لسكان الجزيرة.