في سقطرى.. امرأة قوية قاومت كتلة من الأوجاع وحصدت النجاح

قشن برس – سقطرى

كانت الساعة تشير إلى الثالثة عصرا والرياح تعصف بالمكان مع بدء فصل الخريف في أرخبيل سقطرى. رياح شديدة تجعلك تعود إلى الوراء في كل خطوة تخطوها.

استمرينا في السير لعدم توفر مواصلات وانعدام  مادة البترول، ووصلنا إلى بيت الأم فاطمة. هكذا تحب أن يناديها الآخرون.

استقبلتنا بحفاوة بالغة أنستنا تعب الطريق،  قدمت لنا التمور  بأنواعها، فقد بدأ حصادها في سقطرى التي تشتهر بزراعة النخيل .

الأم فاطمة عندما تلتقي بها  يراودك شعور بأنك تعرفها منذ زمن طويل؛ فترحيبها وابتسامتها التي لم تفارق وجهها تشعرك بالارتياح والسعادة.

فاطمة امرأة في عقدها الخامس عملت في مجال الخياطة لتعيل بناتها الأربع بعد أن توفى والدهم قبل أكثر من 12 عاما.

تقول فاطمة لـقشن برس: كانت أصعب لحظة في حياتي وأقساها عندما أتت إحدى جاراتي لتخبرني بأنه يجب علي الذهاب إلى المستشفى فورا، لأن زوجي تعرض لحادث سير حيث سقطت السيارة التي تقله في منحدر بمنطقة حيبق في سقطرى. أخبرتني جارتي بأنه بخير، وأنه لم يحصل له إلا بعض الكدمات “.

انطلقت فاطمة مسرعة والدموع تغزو عينيها، كانت في كل خطوة تدعو الله بأن يحفظ زوجها، وفور وصولها المستشفى، انصدمت بعد أن اتضح لها بأنه في أسوأ حالاته.

لم تلبث سوى دقائق ليأتي الطبيب بخبر صادم ومحزن بأن الزوج قد توفي جراء إصابته البليغة.

” لم أشعر بعدها بنفسي.. فقد توقف العالم حولي كنت أصرخ وأبكي، فليس لي وبناتي أحد سواه”.

مر شهر بعد وفاة زوج فاطمة، فبدأت تفكر كيف ستقوم بتلبية احتياجات بناتها الأربع، فأكبرهن لم تتجاوز الرابعة عشر من عمرها، لتتخذ قرار البحث عن عمل يعيل أسرتها.

بحثت كثيرا عن عمل تقول فاطمة؛ لكن كان صعب علي إيجاد فرصة فأنا أعاني من الأمية.

بعد بحث دام لأكثر من شهر وجدت فاطمة عملا كمنظفة في أحد المكاتب براتب زهيد لا يسد احتياجاتها.

استمرت في العمل لأشهر، لكنها  تعرضت لوعكة صحية جعلتها حبيسة المنزل لأكثر من أسبوع ، وانصدمت بعدها عندما علمت أنه تم  استبدالها بأخرى.

“حزنت كثيرا فقد كان هذا العمل يساعدني في تلبية الحاجات الأساسية لأسرتي”.

تضيف فاطمة” بعد توقفي الإجباري عن العمل وعدم وجود بديل أصبحت أشعر بالضعف ، فلا أعلم كيف أساعد بناتي. عشنا أصعب أيام حياتنا فقد كنا ننام ونحن جوعى”.

كانت حينها تشعر بالحزن عند رؤيتها لبناتها يذهبن إلى المدرسة على معدة فارغة.. فلا يوجد ما يسد رمقهن. فكرت كثيرا كيف لها أن تساعد تلك الفراشات الأربع اللواتي يذبلن يوما بعد يوم من الجوع.

“كيف لي أن أنظر لتلك العيون المليئة بالحزن الشديد والتعب والإرهاق.. هذا الأمر أثر علي كثيرا” تقول فاطمة.

حاولت البحث عن عمل لكنها لم تفلح.. تذكرت بأن لديها صديقة ماهرة في الخياطة فقررت الذهاب إليها لتعلمها الخياطة.

كان لدى فاطمة بعض الأساسيات عن مهنة الخياطة، بدأت في التعلم والعمل مع صديقتها، وقد كانت تساعدها في أعمال منزلها لتعطيها راتبا لإعالة أسرتها.

استمرت فاطمة ثلاثة أشهر في التعلم، واشترت مكينة خياطة بمساعدة من صديقتها الوفية التي كانت معها في أشد الأوقات صعوبة.

 

بداية الأمل

بعد شراء المكينة أصبح بمقدور فاطمة العمل، وقد كانت محظوظة بأن لقيت التشجيع  من الناس وبدأت النساء بالإقبال عليها لتحيك لهن الجلابيات والدروع والأرواب.  طورت  نفسها مع الوقت لتستطيع خياطة فساتين للفتيات الصغيرات. أصبحت كل يوم تبدع أكثر وتصمم أقمشة جديدة في ابتكار فريد.

“أصبحت أشعر بالقوة بعد أن استطعت تلبية احتياجات أسرتي وتعليمهم”.

 

في انتظار تحقيق حلم

تأتي العديد من النساء إلى منزل فاطمة لشراء الملابس أو لخياطتها حتى الآن.

ومنذ أكثر من 12 عاما وفاطمة تحلم بأن تفتتح لها محلا تجاريا لبيع وخياطة الملابس النسائية؛ لكن الحلم مازال في انتظار التحقيق.

تقول فاطمة “بأنه لا يوجد في سقطرى حتى الآن متجر تقوم بإدارته أو العمل به امرأة، فالعمل مقتصر فقط على الرجال  أما النساء مثلها فأعمالهن في البيوت”.

شيخة البنت الكبرى لفاطمة تتحدث لقشن برس “لقد أصبحت معلمة، وذلك بفضل والدتي التي ضحت في كل شيء من أجلنا.. إنها الأم والأب”.

وتضيف” كانت أمي في كثير من الأحيان لا تنام اليل لتعمل.. سعت لتلبية كل ما نحتاج إليه.. لم نشعر أبدا بفقد الأب”.

وتابعت” حلمت والدتي دائما بأن نصبح  نساء فاعلات في المجتمع، أن يكون لنا أدوار ريادة ونفتتح أعمالا تساعد النساء الأخريات على أن يكن فاعلات في كل المجالات”.

تختم فاطمة حكايتها بالقول ” المرأة دائما قوية وقادرة على تخطي الصعوبات التي تواجهه.. يجب عليها أولا أن تومن بقدراتها”.

اترك تعليقا