سقطرى.. جنة الطبيعة في مرمى التهديدات البشرية والتغيرات المناخية

قشن برس – تقرير خاص

تواجه البيئة التي وفرتها جزيرة سقطرى للحياة البرية منذُ آلاف السنين الكثير من المخاطر التي تهدد القيمة العالمية البارزة للأرخبيل الحيوي الواقع في أقصى جنوب شرقي اليمن.

ومؤخرا، أثار دعاة الحفاظ على البيئة مخاوف من وجود سلسلة ضغوط جديدة  تهدد  القيمة العالمية لسقطرى، تشمل زيادة في التطورات الخطرة غير الخاضعة للرقابة، كاستخدام المبيدات الحشرية، والاستعمال غير المستدام للموارد الطبيعية ولوائح الأمن البيولوجي غير الكافية التي تخاطر بإدخال الأنواع الغريبة الغازية.

إضافة إلى ذلك، تعرضت سقطرى للندوب جراء أضرار الأعاصير التي ضربت الأرخبيل أكثر من مرة، واضطربت الجزيرة بسبب الحرب الأهلية المستمرة في اليمن؛ بل  تحولت إلى ساحة صراع لقوى إقليمية تحلم بالنفوذ والسيطرة على موقعها الاستراتيجي الواقع عند ملتقى المحيط الهندي وبحر العرب.

وفي سبتمبر من العام 2020 نشر موقع “قشن برس” تقريراً ميدانياً عن الكارثة البيئية التي خلفها إعصاري تشابالا وميغ، والرعي الجائر، وتحديدا في محمية حومهل.

وأظهر التقرير المصور للموقع حجم الأضرار التي لحقت بأشجار المحمية وكيف تحولت إلى مجرد أشجار يابسة، بعضها ملقية على الأرض، والبعض الآخر صارت سيقاناً بدون أوراق.

وكشف عن مواقع داخل المحمية كانت مملوءة بالأشجار، وأصبحت مدمرة تماما؛ وما بقي من أشجار تلك المواقع تموت موتاً بطيئاً.

دعوات للحفاظ على توازن الجزيرة

ويتحدث فرانك جاردنر، المراسل الأمني في شبكة  بي بي سي  البريطانية عن الصعوبات في دعم مجتمع سقطرى وبيئتها، مشيرا إلى أن “التحدي الآن هو كيفية تحسين الظروف المعيشية لسكانها الذين يعانون من الفقر إلى حد كبير والمعرضين للكوارث.

ويقول ريتشارد بورتر، مستشار جمعية الطيور العالمية ( BirdLife International ) الذي قام برحلات بحثية متعددة في علم الطيور إلى سقطرى على مدار الـ 25 عامًا الماضية: “تعد النظم البيئية الفريدة في الأرخبيل واحدة من الجواهر الثمينة في التنوع البيولوجي في شبه الجزيرة العربية”.

ويرى أن هذه النباتات والحيوانات الفريدة ظلت محفوظة جيدًا نسبيًا بفضل عزلتها الطويلة والعلاقة التقليدية القوية بين السكان المحليين وبيئتهم.

ويوضح الدكتور كاي فان دام، الرئيس الفخري لأصدقاء سقطرى: “ليس التنوع البيولوجي العالي في سقطرى فريدًا في حد ذاته، حيث يعج بالحياة في أكثر مظاهرها المجيدة، بل إنه فريد أيضًا في حقيقة أنه لم يفقد شيئًا من الطيور المستوطنة أو الزواحف أو أنواع الرخويات الأرضية خلال القرن الماضي حتى الآن “. (الجزر عادة ما تعاني من معظم حالات الانقراض).

يضيف” على عكس تناقص أعداد النسر المصري Neophron percnopterus (المهدد بالانقراض) على مستوى العالم، تمكن النوع ذاته البالغ عددهم 800 زوج من الازدهار، نظرًا للعلاقة المتناغمة بين الناس والطيور، حيث ترى السكان يمارسون تقنيات الزراعة التقليدية ويقدمون إمدادات ثابتة من الطعام للنسور عن طريق التخلص من الجيف. على هذا النحو، تعتبر سقطرى رمزًا للأمل في الحفاظ على فصيلة النسر المصري المهدد بالانقراض، ويمكن رؤيته في كل مكان، فهذه النسور تتكاثر على منحدرات الحجر الجيري والجروف، وتتجول بين القرويين داخل السوق المحلي بحثًا عن الطعام.

ومع ذلك، فإن الملاذ الآمن الذي وفرته سقطرى للحياة البرية لآلاف السنين أصبح الآن تحت التهديد.

تحديات كبيرة

يذهب بيتر شادي، مستشار التراث العالمي التابع للاتحاد الدولي لصون الطبيعة قائلا : “إن أرخبيل سقطرى يواجه قائمة طويلة من التحديات التي تهدد هذه الطبيعة البكر والأنواع الأيقونية في الموقع، فضلاً عن حياة المجتمعات المحلية التي تعتمد عليها”.

وأضاف : غالبا ما يوصف أرخبيل سقطرى بأنه “المكان الأكثر غرابة على الأرض” أو “جزر غلاباغوس للمحيط الهندي”،  حيث تمتاز هذه الجزيرة بالتنوع الحيوي الاستثنائي على اليابسة والبحر، مثل أشجار دم الأخوين التي يهددها نظام بيئي هش تضاعفت هشاشته بسبب الآثار التراكمية الناجمة عن إعصارين في عام 2015 والأنشطة الضارة بالبيئة التي اتسعت خلال السنوات الماضية.

ويقول مركز كارنيغي للدراسات إن سقطرى التي كانت، وما تزال، وجهة سياحيّة، كونها من أجمل الجزر في العالم، أصبحت تستقطب نوعاً آخر من الاهتمام مصدره بلدانٌ في المنطقة، وعلى رأسها الإمارات والسعودية. وقد أسفر هذا الوضع عن حدوث تنافس بين البلدَين تعود جذوره إلى التأثير المتنامي الذي اكتسبته الإمارات في الجزيرة بعد تشرين الأول/أكتوبر 2015، حين ضرب إعصار شابالا أرخبيل سقطرى مخلِّفاً أضراراً جسيمة.

ونظراً لضعف المؤسسات التابعة للحكومة اليمنية، بادرت بلدان الخليج إلى تقديم المساعدة لسكّان الجزيرة لتخفيف وطأة وآثار الإعصار.

ويعتبر المركز أن هذه المساعدة بمثابة حصان طروادة من نواحٍ عدّة. فقد بدأ الوجود الإماراتي في سقطرى بالنمو والتوسّع في أعقاب إعصار شابالا، من خلال المساعدات التي قدّمها الهلال الأحمر الإماراتي ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان.

كانت الحكومة اليمنية حينذاك ممتنّة للدعم الإنساني، فعمدت نتيجةً لذلك إلى تسهيل عمل المنظمات الإماراتية في الجزيرة. وفي شباط/فبراير 2016، وقّع رئيس الوزراء اليمني آنذاك أحمد عبيد بن دغر اتفاقات عدة مع منظمات الإغاثة الإماراتية لتنفيذ مشاريع إنمائية في سقطرى.

ومنذ ذلك الوقت، وسّعت الإمارات نطاق تدخلها في سقطرى من خلال وسائل عدة. وبدأت بشراء مئات القطع من الأراضي في الجزيرة بطرق ملتوية إما بالسيطرة بالقوة أو بتقديم المال للسكان المحليين الفقراء الذين يبيعون من أجل الحاجة مستغلة ظروفهم القاهرة.

وقالت مصادر متعددة لموقع “قشن برس” إن الإمارات وسعت من عمليات الشراء للأراضي والمرتفعات الجبلية في المحميات السياحية منذُ سيطرة المجلس الانتقالي المدعوم منها على الأرخبيل في يونيو من العام 2020.

وتحظر المادة (385) من القانون اليمني تملك أو تمليك شواطئ البحار وسواحلها والمحميات الطبيعية، وينظم القانون استغلالها والانتفاع بها.

ويرى الكاتب الإيطالي المختص في شؤون البيئة “فابيو بالوكو” أن ما تقوم به الإمارات في هذه الحديقة العالمية إهانة للقيود البيئية الموجودة على هذه الأراضي.

كارثة المخلفات

ظاهرة تراكم النفايات هي الأخرى تهدد الحياة البيئية في سقطرى، وتشوه وجهها الجميل وتراثها العالمي والفريد.

ومؤخرا زاد معدل تراكم النفايات، حيث تمددت نحو أزقة وشوارع العاصمة حديبو، فيما القاذورات تتوزع على أحياء المدينة، لتمحو جمالها وتفسد هواءها، وتنتزع البهاء الذين لطالما عرفت به سقطرى ومدنها.

تقول مؤلفة دليل السفر إلى سقطرى– “هيلاري برادت” بمجرد وصولي إليها، فاقت سقطرى التوقعات. لقد وقعنا في حب أشجار بجسدها الزجاجي الممتلئ ولحائها الذهبي. أشجار من المستحيل عدم تجسيدها. لقد انبهرنا بالنسور المصرية الأنيقة التي كانت تحوم حولنا أملاً في الحصول على فتات الطعام، وبحثنا عن الطيور والزواحف المتوطنة في الجزيرة، وتسلق البعض منا مسافة 400 متر فوق الكثبان الرملية البيضاء الفضية.

وتذهب إلى أن هناك ما يعكر صفو جمال الجزيرة، مثل تلك القمامة، خاصة البلاستيك. “كانت القمامة مروعة وتتراكم على الشواطئ (كنا نقوم بعمليات تنظيف دورية)، كما أنها تملأ شوارع حديبو، العاصمة، التي لا تحتاج إلى من يزيدها قبحاً” بحسب برادت.

ويحذر مختصون في مجال البيئة من كارثة وشيكة بسبب كثرة النفايات في شوارع العاصمة حديبوه، حيث تهدد تلك النفايات بانتشار الحميات المسببة للأمراض والأوبئة القاتلة.

وسبق أن تحدث المدير التنفيذي لصندوق النظافة والتحسين في سقطرى، أحمد صالح علي  لـ”قشن برس” عن أسباب تكدس النفايات في شوارع حديبو منذ أشهر، مشيراً إلى تأثير الأحداث التي شهدتها سقطرى في يونيو الماضي حيث سيطر المجلس الانتقالي على المحافظة، وتوقفت الأنشطة اليومية لصندوق النظافة.

يشير المسؤول أيضا إلى أن السلطة المحلية قبل دخول الانتقالي كانت تعتمد 4.5 ملايين ريال شهريا، (ما يقارب 6500$)، لرواتب العمال وأجرة السيارات والحوافز، ومنها ميزانية مديرية قلنسية، وكان نشاط صندوق النظافة يسير بشكل جيد.

ويحذر أحمد صالح من كارثة وشيكة بسبب كثرة النفايات في شوارع العاصمة حديبوه وقلنسية، حيث تهدد تلك النفايات بانتشار الحميات المسببة للأمراض والأوبئة القاتلة، لاسيما في فصل الشتاء حيث تتكاثر البعوض والجراثيم والحشرات الناقلة للأمراض؛ في ظل عدم وجود إمكانيات طبية لمكافحة هذه الأوبئة الوشيكة.

يقول مدير صندوق النظافة: “قمنا ببعض الأنشطة التي لا تفي بالغرض، بالتعاون مع التجار وأصحاب المحلات، ووزعنا منشورات تحذيرية، ونشرات توعية على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاطبنا “الانتقالي” باعتباره المسيطر على المحافظة لكن دون جدوى”.

وحمّل المسؤول في صندوق النظافة،  الانتقالي الجنوبي مسؤولية ما يحدث باعتباره من يقوض أعمال الصندوق التي توقفت منذ سيطرة المجلس على المحافظة.

……………………………………………………….

مصادر: 

جمعية الطيور العالمية (   BirdLife International  )

لجنة التراث العالمي (IUCN)

اترك تعليقا