مستوطنة “حجره” في سقطرى..ماضٍ عريق يحوّله الإهمال إلى أطلال

قشن برس – أحمد الرميلي

تتعرض الآثار والمعالم في الكثير من مناطق اليمن للنهب والتدمير والإهمال، ولاتجد تلك الثروة الإنسانية من يهتم لشأنها سواء بطريقة حفظها أو حمايتها، بل في بعض الأحيان لا تعثر الأجيال على الكثير من تراثها في المناهج والكتب ووسائل الإعلام.

وفي سقطرى، المسجلة ضمن قائمة التراث العالمي لـ(يونسكو)، لم يكن الأرخبيل مجرد أشجار وطيور نادرة، وأحياء برية وبحرية مدهشة، ومناظر خيالية مثيرة، فالمحافظة تحوي تراثاً متجذراً بعمق تاريخ الإنسان السقطرى، ففيها من الدلائل على ذلك الشيء الكثير؛ إلا أن هذا الجانب ما زال غامضاً، متسما بشيء من الضبابية وعدم الاهتمام.

أحد أهم المعالم الأثرية التي توضح ماضي وعراقة سقطرى هي مستوطنة “حجره”، الواقعة على ضفاف وادي “شق” الذي يصب في الساحل الواقع بجوار قرية “شق” العاصمة القديمة لسقطرى، وتبعد المستوطنة عن “شق” العاصمة بحوالي واحد كيلو إلى الجنوب منها.

تتكون مستوطنة “حجره” من بقايا مبانٍ لغرف تقع داخل مبنى مستطيل الشكل، وسور يحيط بها، وعشرات القبور غير الإسلامية التي تقع إلى الشرق من المستوطنة.

حظيت المستوطنة باهتمام خارجي قبل سنوات، حيث زارتها البعثة الروسية عام 2008م، وقامت بأعمال الحفر والتنقيب والمسح، ووجدت العديد من اللقى الأثرية المتنوعة، وأغلبها صُنعت محلياً والقليل منها تم استيراده من خارج سقطرى.

يؤكد الباحثون أن المستوطنة كانت مركزاً تجارياً مهماً يتم فيه تبادل البضائع والمنتجات المحلية، حيث اشتهرت سقطرى قديماً بمنتجاتها المحلية المهمة حينها، مثل اللبان الذي يورد للمعابد والكنائس في إفريقيا والهند وغيرها من بلاد العالم، وكذلك كانت تنتج وتصدر دم الأخوين والسمن والعسل والصوف وغيره. وكان السقطريون يأتون بتلك المنتجات إلى المركز التجاري الواقع في (حجره) لتتم هناك عملية الشراء والتصدير عبر البحر، ويأخذ السقطريون قيمة المنتجات هناك من مواد غذائية وملابس وغيره.

ومما يدل على أن تلك المستوطنة كانت مركزا تجاريا أن البرح كانت تدخل إلى وادي (حجره) من ساحل (شق)، وكانت السفن تمر في الوادي لترسو بجوار المستوطنة. ويُحكى عن بقايا لمراسي كانت ترسو بها السفن، وظلت بقايا تلك المراسي إلى عهد قريب.

ويذكر الخبراء أن تلك المستوطنة كانت قد ازدهرت في عصور ما قبل الميلاد، واستمر ازدهارها إلى القرنين (15،16) بعد الميلاد. وهذا يعطي دلالة واضحة على تاريخ تلك المستوطنة، وقدم حضارة الإنسان السقطري.

بعد مئات السنين، لم يبق من تلك المستوطنة سوى بعض أحجار الأساس، كما أن جزء كبيراً منها قد طمرته المباني الحديثة التي أحاطت بها، خاصة في الجهة الشمالية الشرقية منها، وما تبقى من معالمها لا زال في خطر، فهي تتناقص يوماً بعد يوم بسبب الإهمال، وفيما تزحف المباني الحديثة نحوها لازال المواطنون يأخذون من أحجارها وطينها المتبقي.

يلقي هذا التقرير الضوء على مستوطنة حجره التي ظلت رمزاً للحركة التجارية في أرخبيل سقطرى على مدى سنوات من الزمن، ويلفت انتباه المهتمين والجهات المعنية إلى أهمية الحفاظ على ما تبقى من هذا الشاهد الحضاري العظيم، الذي ستقرأ من خلاله الأجيال تاريخ سقطرى الضارب في عمق التاريخ.

تحتاج المستوطنة وقبورها إلى بناء سور يحميها للحفاظ عليها من زحف المباني ومن الأيادي العابثة التي طالت كل شيء جميل، كما أنه من الأهمية جلب الخبراء لغرض التنقيب وكشف مزيد من الأسرار عن تلك المستوطنة المهمة.

اترك تعليقا