زواج مبكر وإجباري.. فتيات ضحايا عادات اجتماعية متوارثة في سقطرى

قشن برس – صالح الحجار

سلوى، السقطرية التي لم تبلغ 14 عاماً بعد، تتجهز لحفل زواجٍ أراد أهلها أن يقيموه لها، بعد أن عقدوا قرانها على شاب يكبرها سناً، لم يخبرها أهلها بأمر زواجها حتى اللحظات الأخيرة، حاولت أن تمانع لكن العادات والتقاليد والمجتمع والقدر كل شيء وقف ضدها لتمضي نحو إعداد نفسها لما رأته كابوساً، لكن حدث مالم يكن متوقعاً ونجت من ذلك الزواج المدبّر.

عمرها اليوم في منتصف الثلاثينيات، تتحدث لنا عن أيامٍ خلت لكن ذكراها لاتزال، تعيش بثقة في نفسها ورجاحة في عقلها ومنطقها، دفعها الإصرار – بعد أن أصبحت ناجية- لأن تكون مرشدة اجتماعية تقدم النصح والإرشاد كي لايتكرر ماحصل لها.

هي واحدة من آلاف اليمنيات اللواتي يقعن ضحايا للعادات والتقاليد المتعلقة بالزواج في سن مبكر قبل البلوغ، والزواج بالإكراه.

جرت العادة بالنسبة للأعراس في المجتمع البدوي بسقطرى، أن تأخذ الأم أو الأخت الكبيرة العروس إلى خدرها المنعزل عن أنظار الناس الحاضرين، في الليل الذي يسبق يوم العرس المحدد، ثم يتم إخبارها بأنها تزوجت وبالسقطرية يقال (طيريح)، ويذكرون لها اسم زوجها الذي أحيانا لم يسبق لها أن رأته أو سمعت عنه، حيث يختار لها الأهل زوجاً، دون علمها ودون رضاها.

وبدلاً من أن تعيش العروس بانتظار أيام سعادتها، يطول ليلها ولاشيء فيه سوى أحاديث الألم وهواجس الخوف من المجهول، بينما الناس كعادتهم يجهزون الولائم ويستقبلون الضيوف ويحرصون على إتقان مختلف تفاصيل الزفاف، دون أدنى مراعاة لمشاعر الفتاة.

تقول سلوى: “لي أخت تكبرني  بأكثر من ثلاث سنوات، وأخ كبير يعتبر بمثابة أبي المتوفي رحمه الله تعالى،..لاحظت قبل موعد الزفاف، حركة غير اعتيادية، و”مشاورات سرية” بين أمي وأخي في وقت متأخر من الليل، وأحياناً في النهار، ولفت انتباهي بعض الترتيبات، فدفعني الفضول إلى الإلحاح وسؤال أمي عما يحدث، فأجابتني: أختك ستتزوج أبن عمها، لكن لاتخبريها بشيء، فيما أخبروا أختي أن أبن عمي سيتزوج إحدى بنات القرية المجاورة..وهكذا يحرص الجميع في المجتمع البدوي على السرية التامة بإخفاء الأمر على العروسة.

تمضي بالقول: “كنت حينها بين الثالثة عشر والرابعة عشر من عمري، لا أفقه شيئاً عن الحياة الزوجية..لا أزال ألعب وأمرح، وأتذكر ذلك تماماً، فقد كانت بفناء ديارنا شجرة كبيرة نلعب تحت ظلها، نربط حبالنا في فروعها ثم نتمايل بها يمنة ويسرة مع أطفال الجيران”.

“شاركت بالتنظيف والترتيب والإعداد مع بنات العم وأختي العروسة التي لاتعلم هي أيضاً أنها ستتزوج، سألتني قائلة: ماخطب أمي وأخي ياسلوى كأن شيئاً يحدث؟..تبسمت وقلت ابن عمنا سيتزوج من القرية ونحن نعد لزفافه، وقد علمتُ من أمي أنه سيتزوجها، وقلت في نفسي يالك من مغفلة ياأختي، فقد صادوك، ولم أعلم أنني أنا أيضاً ابتلعت الطعم وعلق في الحلق”.

خرجت سلوى برفقة فتيات في سنها لجمع الحطب، تحدثت مع بعض الفتيات، بعيداً عن أختها، حول العرس الذي سيمنحهن فرصة رؤية الطقوس عن كثب، طال حديثهن وعدن دون حطب، لكنها صدمت حينها أنها هي عروسة أيضاً.

كابوس مرعب

تقترب لحظات زفاف أختي، لوحدها، كما حدثتني أمي، وينتابني شعور الشفقة عليها، لأنها كانت غافلة ، ولاتعلم مايُحاك ضدنا جميعاً، وماهي إلا لحظات حتى تجمعنا أمنا وتخبرنا بالخبر الصاعقة، سلوى ستتزوجين فلان، وأختك ستتزوج ابن عمها!!.

لم تكن سلوى مستعدة نفسياً لاستقبال ذلك الخبر المزع، سقطت مغشية عليها وفقدت التنفس، ولم تفق إلا في وقت متأخر من الليل وأهلها حولها، ثم ظلت بين صحو وفقدان للوعي، وفي الصباح كان ابن عمها يحاول أن يثني أهلها بإلغاء الزواج، ورغم أنه أقسم أن الزواج لن يتم، إلا أن الأخ رفض “ليحافظ على كلمته بين الناس”.

تقول سلوى: “أمضيت يومي وأنا أنتحب حتى ابتلت ثيابي بدموع الحرقة، ودخل الليل الذي تبدأ فيه طقوس الزفاف، نُقلت أختي إلى غرفة أخرى لتتزين وأنا في حالة إعياء..كانت أختي مابين السابعة عشرة والثامنة عشرة وتقبلت زواجها من ابن عمها، أما أنا التي أصغرها بنحو 4 سنوات، فأسذهب لشاب من خارج القبيلة، وفي عمر مبكر!”.

 

حيرة الأهل والجميع

انتهى يوم العرس وتم تزيين أختي كما ينبغي، وأنا على فراش المرض،.. حان وقت التقاء العروسين كالعادة، بينما أنا مقعدة وأهلي والجميع في حيرة من أمرهم، حالتي يرثى لها، بين الحياة والموت..وهكذا استمرت حالتي في فراش المرض لمدة نصف شهر، ولم أرَ زوجي أو يراني حتى تم طلاقي وإرجاع المهر وما يلزم الزواج لأهل زوجي، وأنا لا أزال مريضة.

تذكر سلوى أن الشاب الذي عقد بها كان من خيرة شباب القبيلة، لكن عامل السن سبب لها كل ماحدث، إضافة لطريقة الأهل في تزويج الفتيات في المجتمع البدوي والقبلي التي تؤكد أنها خاطئة بكل ماتحمله الكلمة من معنى، حيث لاتعلم الفتاة بمن ستتزوج حتى ليلة ماقبل ليلة زفافها وبطريقة مخيفة ومفجعة.

“قشن برس” التقى د.زينب حسين للحديث عن أضرار الزواج المبكر الذي تتعرض له الكثير من الفتيات في أرخبيل سقطري، وأسبابه فقالت: “أسباب الزواج المبكر هي العادات والتقاليد السائدة في مجتمعنا البدوي بشكل خاص، وكذلك جهل الأسرة بالعواقب والمشاكل التي تنتج عن ذلك، والجهل والأمية للمجتمع”.

وأضافت أنه منذ عقدين من الزمن لوحظ تراجع كبير في حالات الزواج المبكر، كثمرة لانخراط الفتيات في التعليم وكذلك الذكور، الأمر الذي أثّر إيجاباً على وعي كثير من الأسر بالمشاكل الناتجة عن الزواج المبكر.

وتوضح أن للزواج المبكر أضرار صحية على الفتيات، منها تعسر الولادة وتعرضهن لمضعفات الولادة وسوء التغذية، والقلق لعدم اكتمال النمو الجسدي والعقلي.

من ناحيتها قالت مديرة مكتب حقوق الإنسان في محافظة سقطرى، منال يحيى مبارك، إن الزواج المبكر كان يمثل في السابق مشكلة كبيرة لأسباب الفقر والجهل وقلة الوعي واتباع العادات الخاطئة.

وتستدرك قائلة: لكن ولله الحمد بدأت حالات الزواج المبكر تتلاشى مع انتشار التعليم، والوعي بين الشباب والبنات؛ وساهمت الثقافة لديهم في ذلك أيضاً.

ونوّهت إلى العديد من الأضرار الصحية والاجتماعية التي تصاحب الزواج المبكر كالطلاق والعنف الأسري وتدهور حالتهن النفسية وسوء التغذية وأسباب كثيرة.

وأشارت إلى أن معضلة الزواج المبكر تستدعي معالجة معالجتها بشتى الطرق والحلول، موضحة أن المكتب يقوم بدور الإرشاد والتوعية بمخاطره والأضرار الناجمة عنه، وتعبر عن أملها  في القضاء عليه في القريب العاجل.

بعد تسعة أعوام من طلاق سلوى، ابتسم لها القدر، بعد مستوى من النضوج، وأصبحت مستعدة لاستقبال شريك حياتها حيث تقدم لها أحد الشباب، وتمت استشارتها هذه المرة..تزوجت سلوى وهي اليوم أم لثلاثة أولاد، ومرشدة اجتماعية استطاعت إقناع كثير من الآباء والأمهات في مجتمعها بعدم تزويج بناتهم في سن مبكرة، واعتبرت ما واجهته درساً قاسياً ، وخطأ فادحاً غير مقصود من الأسرة، و تتمنى إلا يتكرر لغيرها من فتيات مجتمعها.

اترك تعليقا