سقطرى.. هجرة داخلية محفوفة بالصعاب بحثاً عن التعليم

قشن برس – تقرير خاص

على متن دراجة نارية توجهنا يوم الخميس 19 نوفمبر 2020، إلى منطقة شوعب، في أقصى الجنوب الغربي من أرخبيل سقطرى، لنعرف عن قرب الظروف الصعبة التي يعيشها السكان هناك ، خاصة فيما يتصل بالجانب التعليمي.

كانت عقارب الساعة تتحرك نحو الثامنة، ونحن نتحرك في خطواتنا الأولى، الجو لايزال يحتفظ ببرودة الصباح، غائماً، متجهاً نحو الدفء، والغيوم تحجب عنا أشعة الشمس كلما حاولت الوصول إلينا.

وفي الوقت ذاته، كلما أرسلت شمس ذلك الصباح خيوط أشعتها؛ تزاحمت عليها السحب من هنا وهناك، وقطعت عليها سبيل البزوغ، وذلك ما أعطى لليوم طقسه الرائع.

على جانبي الطريق تقف أشجار (المترر) بأعداد كثيرة لا حصر لها، وأشجار أخرى تزين طريق رحلتنا.

بعد ٤٠ دقيقة من السير بين سلسلة جبلية أطل علينا البحر مضطرباً وكأنه ينذر بعاصفة مرتقبة، وماهي إلا عشر دقائق حتى دخلنا مفرق الطريق المؤدية إلى شوعب.

بدأ الطريق يأخذنا إلى وادي ( باب الأبواب)، – وفق تسميته هناك- وهو وادٍ واسع جداً ويعتبر مصب أكثر الوديان في المنطقة.

 ذلك الوادي الساحر، تزينه أحجار بيضاء تتناثر بكثرة على جنباته، إضافة إلى أشجار كثيفة الأغصان تدعى (اتب) ، وحوله أراضٍ زراعية واسعة لم تزرع بعد.. فقط استغلها السكان في رعي الأغنام.

بعد أن قطعنا تلك المسافة كان لزاماً علينا أن نأخذ استراحة فكانت منطقة (عمدهن) محط رحلتنا، وفيها توجد مدرسة ثانوية تحمل الكثير من القصص.

انتهت فترة الاستراحة واستأنفت رحلتي مستقلاً سيارة تنقل الطلاب من وإلى شوعب.

في الطريق تبادلنا الحديث عن الصبر في سبيل العلم والمعرفة. وصلنا إلى شوعب والتقيت بـ (عوض) أحد السكان الذي انتقل من منطقة نيت مؤخراً.

سألته قائلاً: لماذا تركت نيت؟

أجابني: تركتها لأجل أولادي.. كي يحصلوا على حقهم في التعليم.

قلت: ألا يوجد مدرسة هناك؟

رد: نعم يوجد.. لكنها مغلقة.

واصلت أسئلتي، لأعرف ماذا خلف إغلاق المدرسة، أخذ عوض نفساً عميقاً حرّك بداخله ماكان كامناً منذ زمن، قال: “نعيش في منطقة يقال لها (نيت) وهي بعيدة لا تصل إليها وسائل المواصلات، والطريق الوحيد هو البحر.

بدأ الحديث يأخذ جمال الرحلة ويبعث فينا آلام غياب الخدمات الأساسية للحياة، تلك التي لايجدها الكثير من أبناء  أرخبيل سقطرى، فهي المحمية  الطبيعية التي لم يتدخل فيها المسؤول بعد، حتى وإن كان تدخلاً مطلوباً لخدمة الناس.

يواصل عوض متحدثاً: “في نيت توجد أربع عزل، ولايوجد أي أثر للدولة، لامدرسة ولامركز صحي ولا أي خدمة حكومية..كنا نعاني كثيراً، نرسل أولادنا ليدرسوا في المدينة، البعض يذهب ونبقي آخرين لمساعدتنا في الرعي عندما نذهب للصيد”.

يتابع: “طالبنا الجهات المختصة القيام بواجباتها تجاه المنطقة، وبعد الإلحاح تم بناء مدرسة، مثلت مصباح أمل وفرح الأطفال الذين كانوا قد تركوا الدراسة، عاد الأمل يدفعهم للأمام، وغرست تلك المدرسة حب التعليم في قلوبهم، بدأ الطلاب عامهم الأول في مدرستهم الجديدة ذات الأربعة فصول، كانوا يحزمون حقائبهم كل صباح متجهين نحو أملهم المنشود ومستقبلهم المرتقب، وبعد جدٍ واجتهاد انتهى العام الدراسي.

مدرسة نيت بعد إغلاقها

عقب انتهاء عطلة الصيف كان الطلاب يتطلعون للعودة إلى المدرسة بكل شغفٍ ونهم، لكن حدث مالم يكن متوقعاً..أُغلقت المدرسة ولم تفلح لجنة من أهالي المنطقة في إقناع الجهات المعنية بإعادة فتحها، وأُرغم الناس على ترك عزلهم والانتقال إلى المدينة ليستمر أبناؤهم في الدراسة.

غادر الجميع، إلا أسرة (أبو مسعود) فقد تمسكت بأرضها رافضة ترك حياتها التي دأبت عليها لسنوات، ومع البقاء حُرم مسعود من الدراسة وهو في الصف الخامس حينها، كان الطفل يتمتع بذكاء دفع المعلمين للتحدث إلى والده لإرساله ليكمل تعليمه، لكن مسعود الذي التحق بزملاء يصغرونه سناً نتيجة انقطاعه لعامين، ترك المدرسة مجدداً.

عاد مسعود إلى مهنة الآباء والأجداد صياداً وراعياً للأغنام، لكن تعب تلك المهنة جعله يفكر في العودة للمدرسة، كان قد أنهى الصف الخامس، وواصل نحو إكمال دراسته مفضلاً متاعب الوصول إلى المدرسة على العودة لرعي الأغنام، واليوم يدخل مسعود مرحلة الثانوية والأمل يرافقه لإنهاء دراسته والذهاب نحو الجامعة.

أخوات مسعود حرمن أيضاً لفترة طويلة، ولم يحظين بالفرصة التي صنعها أخوهم، لكن الأب حرص على تسهيل الطريق أمامهن، فانتقل بهن من نيت إلى شوعب قبل عامين للالتحاق بالتعليم.

ساهم إغلاق المدرسة بمنطقة نيت في تفشي الجهل بأوساط الفتيات، وذلك يؤثر سلباً على المجتمع، وهنا كان من الأهمية أن نعود للقاء مدير مكتب التربية في قلنسية، سعد محمد الجدمهي.

قال متحدثاً لـ”قشن برس”، إن المدرسة افتتحت لعام واحد فقط، ثم أغلقت، مشيرا إلى زيارته للمدرسة سابقاً ورفعه بطلب إعادة تأهيلها”.

يضيف: “تحدثت لأهالي المنطقة عن استعدادهم لتدريس أبنائهم في نيت لكي يتم اعتماد مدرسين فيها، لكنه يقول إن الأهالي لم يعيروا الأمر أي اهتمام بعد أن انتقلوا إلى مديرية قلنسية”.

وتابع” يبدو ليس لديهم نية للعودة إلى نيت، ما يعني أن المدرسة قد لا تفتح مجددا “.

اترك تعليقا