يحملون مرضاهم على ظهورهم..قصص معاناة وحرمان لعشرات الأسر في جبال حجهر بسقطرى

نحو 6 سنوات من الحرب في اليمن دمّرت البنية التحتية وأعادت البلاد سنوات للوراء، وحرمت اليمنيين حقهم في الحياة الكريمة، وخدمات التعليم والصحة والكهرباء وغيرها من أساسيات العيش.

وفي سقطرى التي ظلّت لسنوات بعيدة عن مآسي الحرب، تغيب الكثير من الخدمات ليس بسبب المعارك، بل بسبب الإهمال الحكومي الذي حرمها من وجود المدارس الكافية والمستشفيات المؤهلة والطرق المعبدة فظل أبناؤها يعانون الأمراض ويعيشون الجهل.

في زيارة ميدانية لمنطقة حجهر في محافظة أرخبيل سقطرى، تعرفنا على بعض هموم المواطنين، حيث تتواجد أكثر من 50 قرية موزعة على جبال حجهر دبت فهد، القسم الثالث من سلسلة جبال حجهر.

وتبعد منطقة حجهر دبت فهد عن العاصمة حديبوه حوالي 60 كم تقريباً، ونظراً لعدم وجود طريق ترابي للسيارات إلى جبال حجهر (دبت فهد) فقد عانى سكان هذه الجبال معاناة شديدة في حياتهم اليومية.

 

غياب المدارس

عاش أبناء هذه الجبال سنوات من الجهل والأمية لعدم توفر المدارس في منطقتهم، وقبل عام 1990 يكاد لايوجد أحد من أبناء تلك  المناطق يجيد القراءة والكتابة، حتى قررت بعض الأسر من سكان حجهر النزول من الجبال إلى السهول القريبة من العاصمة حديبوه ،وبناء مأوى لأبنائهم، ليحصلوا على التعليم.

اعتادت الأسر أن تكلف أحد أفرادها لرعاية الأبناء الدارسين فيما يظل بقية أفرادها في الجبال، حتى يعود إليها أبناؤها نهاية العام الدراسي، وأما الذين لم يستطيعوا النزول إلى السهول كغيرهم، فيرسلون أحد أبناءهم عند أقاربهم في العاصمة حديبوه، والبعض يستسلم للظروف ولا يرسل أبناءه للتعليم.

ورغم تلك المحاولات التي بذلتها الأسر في منطقة حجهر إلا أن أغلب الطلاب لم يواصلوا تعليمهم، وعادوا إلى أسرهم “شوقاً” بعد أن عجزوا عن البقاء لعام دراسي كامل بعيداً عن الوالدين.

يتحدث عبدالله عامر لـ”قشن برس” -وهو من أهالي المنطقة- عن سبب هروبه من التعليم من الصف الثاني الابتدائي سابقاً فيقول: “لم أستطع البعد ومفارقة أهلي فكرهت المدرسة ولو كانت المدرسة بجوار أهلي وقريتي لأحببتها ولأصبحت الآن متعلماً.

يتحدث الشاب الثلاثيني بحسرة عن تركه للدراسة، ويوضح لنا كيف يحاول ألا يقع أبناؤه الأربعة في الخطأ الذي اقترفه، فيقول: “لقد قمنا أنا وأخي ببناء دار في السهول القريبة من العاصمة حديبوه ،ويقوم أخي وعائلته برعاية أبناءنا للتعليم لمدة محدودة ثم أعقبه وعائلتي بالرعاية وهو يعود إلى الجبال لتولي الأنعام  والوالدين”.

 

انعدام المشاريع الصحية

ليس انعدام البنية التحتية لقطاع التعليم وحده ما يعانيه أبناء جبال حجهر في سقطرى، فعدم وجود المراكز الصحية في المنطقة أثقل كاهلهم، حيث يحملون المرضى على أكتافهم؛ وهي مشكلة قاسية ومؤلمة تحمّلها أهل حجهر في حياتهم، وعندما يمرض أحدهم يضطر أهله لحمله على الأكتاف من جبال حجهر دبت فهد لمدة تصل إلى 6 ساعات من أجل الوصول إلى العاصمة حديبوه حيث العلاج.

تعيش معظم الدول تقدماً وتطوراً واسعاً، فيما تظل هذه الأسر تواجه المعاناة في القرن الحادي والعشرين؛ دون استفادة من التكنولوجيا والحداثة التي وصل إليها الإنسان، أو حتى الخدمات الأساسية والضرورية التي يستفيد منها أبناء المناطق الحضرية.

طريقة نقل المرضى من جبال حجهر إلى حديبو عاصمة سقطرى

مراسل “قشن برس” رافق إحدى الأسر وهي تنقل مريضهاً على الأكتاف، حيث وضعوا المريض في ثوب مربوط من الطرفين في عود متين من الشجر..تسمى هذه القطعة من الثوب، التي يربط طرفيها بعود من الشجر، عند البدو(مزآقه).

والتقى المراسل بمجموعة من سكان جبال حجهر وسألهم عن عدم وجود المراكز الصحية، وتحدّث عيسى عامر بن ماجد وهو أحد وجهاء المنطقة ليصف الوضع قائلاً: “حياتنا كلها معاناة بسبب عدم وجود طريق لدخول السيارة إلى منطقتنا رغم كثرة ساكنيها”.

وأضاف أن نقل النساء الحوامل في حال تعسر الولادة بالمنطقة، يمثل مشكلة كبيرة، حيث يتم إسعافها حملاً على الأكتاف من جبال حجهر إلى مستشفيات العاصمة حديبوه، وبالنسبة لحمل الرجال لاتبدو المشكلة كبيرة حيث يتعاون الجميع؛ بينما في حالة النساء فيسعفهن محارمهن وإن كان شخصاً واحداً.

ولمسافة تقدر بأكثر من 50 كم، يحمل سكان جبال حجهر متطلباتهم، من الغذاء والاحتياجات الأخرى، على ظهورهم من العاصمة حديبوه إلى تلك الجبال، فيما يستخدم البعض الحمير والجمال.

يناشد الشيخ محمد سعد عامر من الوجهاء هناك، الحكومة والمنظمات الدولية والجهات الخيرية بتقديم يد العون والمساعدة لفتح طريق ترابي يسمح بدخول السيارة إلى منطقتهم، مؤكداً أن أبناء المنطقة سيقدمون المساعدة فيما يتعلق بتوفير الأيادي العاملة لتنفيذ الطريق.

اترك تعليقا