“الغيضة الكبيرة” لوحة مهرية مدهشة ممزوجة بجمال الخضرة وعراقة التاريخ

قشن برس-سعد بن محامد

كانت البرودة تعطر الأجواء بنسماتها العليلة، وأصوات الديكة تؤذن للصلاح والفلاح، وعقارب الساعة تدق على الساعة الرابعة فجراً مؤذنة باقتراب موعد رحلتنا الترفيهية نحو ينابيع منطقة “الغيضة الكبيرة” وجمالها الساحر شمالي مدينة “سيحوت” بمحافظة المهرة. 

حزمنا أمتعتنا واتجهنا نحو سيارة الزميل “علي محمد”، وبدأنا رحلتنا من منطقة عتاب التي تبعد عن وجهتنا السياحية 40 كم. كانت نسمات الفجر العليلة ترافقنا لتضفي على رحلتنا الكثير من الحكايات الممزوجة بمعاني الحب والجمال.  

وفي الطريق الممتد من “عتاب” الجميلة إلى منطقة “الغيضة” الساحرة، كان الضباب يغطي الجبال المطلة على السهل الساحلي، فالمنطقة لا تبعد عن الشاطئ في أغلب الأحيان سوى كيلو متر واحد، فيما كان الطريق الذي نعبره مشبعاً برطوبة البحر التي تحمل معها نسمات عليلة.  

وبين الحينة والأخرى تدهشنا خلجان “سيحوت” وسواحلها الفاتنة المطلة على بحر العرب والمحيط الهندي، لكنها تشكو قصوراً كبيراً في الترويج والاستثمار الغائب تماماً عن سواحلها الفاتنة.  

وتزخر مديرية “سيحوت” الواقعة في الجنوب الغربي لمحافظة “المهرة”، بالكثير من المدن التراثية والمواقع الأثرية الضاربة في جذور التاريخ. وتعد إحدى أقدم المدن في العصر القديم، وهي مدينة التعليم والعاصمة الثقافية لمحافظة المهرة.  

بعد مرور ساعتين حطينا رحالنا في منطقة “الغيضة الكبيرة” الواقعة في الجهة الشمالية للمدينة..أحد أهم المواقع السياحية والأثرية في المديرية.  

نزلنا من السيارة مسرعين نحو ينابيعها النقية، لنرمي بأجسادنا المنهكة من حرارة الشمس وسط المياه الباردة ومشاعرنا مفعمة بألوان الخضرة والطبيعة والحب والجمال. 

وكلما تجولنا بداخل مناطق الغيضة الكبيرة وجدنا الكثير من الحكايات الجميلة والمواقع الأثرية، وفي حمامات السباحة الطبيعية عشنا أجمل لحظات الفرح والمرح، وبين غاباتها الجميلة والكثيفة بأشجار النخيل وأنواع أخرى حلقنا في سماء الطبيعة ولونها الأخضر لنسرق منها صوراً تذكارية لن تمحوها سنوات العمر أو منغصات الحياة.  

اقتربنا نحو مبانيها الأثرية فوجدنا تاريخاً عريقاً وحضارة قديمة، تروي حضارات متعاقبة تمتد إلى عصور ما قبل الإسلام. 

يقول المؤرخون إن تاريخ مدينة الغيضة الكبيرة يعود إلى ما قبل الإسلام، وأنت تتجول داخل مبانيها تجدها تتشبث بحضارتها غير آبهة بتقلب الأزمان أو تغير الحضارات.  

واصلنا تجوالنا بين جنبات الغيضة ومناطقها الساحرة، وبينما نحن كذلك شدّت انتباهنا جبالها الشاهقة التي تحيط بالمنطقة من كل الاتجاهات وكل جبل منها ينفرد بشكل مختلف عن الآخر.  

التفت رفيقي إليّ وأنا أمتع ناظري في الجبال وقال لي إن جمالها الطبيعي جعل من الغيضة الكبيرة لوحة جمالية تحتضن كل مقومات الجمال والطبيعة الساحرة. 

تحيط بالغيضة ومناطقها 5 جبال هي : (الصلفوت – نص الموت-شيراء-الثدي-الحصن). 

وكان (حصن بنياني) يراقبنا كلما تجولنا في جنبات المنطقة وقراها، حيث يعد أحد معالمها التاريخية الشاهدة على عراقتها. 

ويتكون الحصن من سور وثمان غرف، كان القدماء يتخذون منه نقطة التقاء للقوافل القادمة من البلدات الأخرى ومن ثم يتم تحميلها (ترانزيت) ولهذا سمي بهذا الاسم بنياني نسبة إلى التجار والعجم الذين كانوا بأتون بالبضائع وباللغة المهرية الأعجم يسمي بنياني وفقا لسكانها المحليين. 

مع الوقت تزداد رحلتنا متعة، ونحن غير آبهين بحرارة الشمس، فالمناظر الجميلة والحكايات التاريخية تدفعنا نحو معرفة المزيد، لتستوقفنا صخرة غريبة على قارعة الطريق خالفت قوانين الطبيعة، فكان ثقلها الكبير في الأعلى وفي أسفلها تبدو صغيرة جداً ونحيفة لتشبه بذلك الشكل المظلي، يستظل تحتها عابرو السبيل هرباً من حرارة الشمس الحارقة. 

وتسحرك أراضي الغيضة الزراعية كلما تجولت بداخلها، بالإضافة إلى حياة البدو الرحّل، ومشاهدة الأغنام والأبقار التي تنتشر على طول جبالها ووديانها، والرعاة الذين يتخذون من مبانيها القديمة والمهجورة منازل مؤقتة لهم في مواسم محددة خلال بعض فصول السنة. 

بدأ الوقت يقترب من الساعة الـ 12 ظهراً، كان العرق يتصبب من أجسامنا بسبب حرارة الشمس، فكان علينا أن نغادر نحو مطارحنا، على أمل العودة إلى منطقة الغيضة الكبيرة وغيرها من مناطق “سيحوت” الساحرة والعريقة. 

 

اترك تعليقا