“شعر القصيدة” في سقطرى.. أدب فرائحي فريد مهدد بالتلاشي والانقراض  

قشن برس-خاص  

تنفرد اللغة السقطرية بأدب خاص بها، يوجد فيه الشعر والنثر، وكل قسم منهما يتفرع إلى أقسام وأنواع أخرى لازالت محفوظة في ذاكرة أبنائها بطريقة شفهية.  

ويبذل قليل من الباحثين جهود كبيرة في سبيل تحويل الأدب السقطري من تراث مقروء إلى مكتوب ،حفاظا عليه من التدهور والانقراض.  

يتطرق الباحث في التراث السقطري “أحمد الرميلي” في حديثه لـ “قشن برس” إلى أحد أقسام الشعر في اللغة السقطرية وهو ما يُعرف بـ (قصيدة) وجمعها (قصائد)، ويُعرف أيضا ب (هدانه)، نسبة إلى اللفظة التي يتم ترديدها أثناء الإلقاء.  

ويرى أن هذا النوع من الشعر (قصيدة) له شعبية كبيرة في المجتمع السقطري، وشعراءه كثيرون، وله جمهور كبير، ويحظى باهتمام غير عادي.  

ويذهب إلى أنه غالبا ما تتكون القصيدة فيه من بيتين، وكل بيت يتكون من شطرين. وهو شعر يأتي على نغم وموسيقى معين، ووزن إيقاعي، لو حاد عنه الشاعر لاختل الوزن، وفسد الإيقاع.  

يتابع: الملفت للنظر في هذا النوع من الشعر أن ألفاظه تكون باللغة العربية، لكن قد تدخل فيه بعض الألفاظ السقطرية القليلة؛ بسبب أن الشاعر لا يحيط بكل الألفاظ العربية المناسبة لقصيدته، أو قد يكون مضطرا لإقحام لفظة سقطرية لإقامة الوزن، أو توضيح فكرة لا تتضح إلا بتلك اللفظة، مع العلم أن أغلب شعراء هذا النوع لايجيدون العربية، فقد تتحدث إلى أحدهم بالعربية ولا يفهم ماذا تقول، ولا يستطيع أن يرد عليك ولو ببضع كلمات، لكنه عندما يلقي هذا النوع من الشعر يقوله بالعربية.  

يقول “الرميلي” في إطار حديثه” غالبا لا يُلقى هذا النوع من الشعر إلا في الحفلات الكبرى، كحفلة العرس، أو حفلة الختان القديم”. 

وأضاف “وقت إلقائه ليلا بعد وجبة العشاء، ويسمى وقته (فرره)، أي سهرة، فيكون هناك مكان مخصص لهذه الفعالية، يسمى (ميدان)، فيأتي كل شاعر ومعه فريق من الرجال، وينقسم الفريق إلى مجموعتين، المجموعة الأولى تردد البيت الأول، والمجموعة الثانية تردد البيت الثاني، وقبل كل شطر يرددون (هدانه هدانه)، من أجل الإيقاع والنغم، ويستمرون بترديد القصيدة حتى يرد الشاعر الذي يقف عن يمينهم بقصيدة جديدة، وبنفس الأداء”. 

واستطرد قائلا “الشاعر وفريقه يلقون القصيدة وهم قيام، وكذلك بقية الفرق الشعرية، حيث يقفون في حلقة مغلقة، وسطها نار تُشب للإضاءة والتدفية، ويبقون كذلك طوال الليل حتى طلوع الفجر في الغالب، وقد يتوقفون في منتصف الليل، وهذا حسب الحماس ووجود كبار الشعراء، وأهمية الموضوعات المطروقة”. 

وتحدث الرميلي: “يقوم شخص بإيقاف السهرة (فرره) بأن يدخل داخل الدائرة ويردد: (هو بعين، هو بعين…) لعدة مرات، حتى يتوقف الكل، ويتفرقون، وغالبا الذي ينهي السهرة (فرره) هو صاحب الحفل”. 

ويقول إنه” في بداية السهرة  (فرره) يبدأ الشعراء بإلقاء قصائد المدح والثناء على صاحب الحفل، وأنه استطاع إطعام الناس وإشباعهم، وقدم العديد من الذبائح الكثيرة والسمينة..ثم يبدأ الشعراء بالتطرق لموضوعات أخرى، كالهجاء والمدح والذم، واستذكار ما كان بينهم في الماضي من مناكفات شعرية، وكل واحد يرد على الآخر تلقائيا، بقصيدة جديدة من بنات أفكاره”. 

يتطرق الباحث الرميلي إلى بعص الأمثلة والنماذج من شعر الـ (قصيدة):    

يقول أحد الشعراء القدامى:  

وحدك الله تبقى * وبنورك مغتني  

شريك لا يكون معك*** ولا دائم ماتلك.  

نلاحظ أن أغلب كلمات القصيدة واضحة وجلية، وهي بالعربية العامية. لكن نلاحظ أنه قد تم تحريف بعض الألفاظ عن لفظها الحقيقي، مثل كلمة (ماتلك)، والمقصود بها (مثلك).  

وعندما يتم ترديد أبيات القصيدة أعلاه بالصوت واللحن أثناء السهرة لابد من إضافة المقطع (هدانه) الذي أشرنا له سابقا؛ فيقول الفريق الأول:  

هدانه هدانه وحدك الله تبقى * هدانه هدانه وبنورك مغتني.  

ويردد الفريق الثاني:  

هدانه هدانه شريك لا يكون معك*** هدانه هدانه ولا دائم ماتلك.  

وقال أحد الشعراء أيضا: 

سوكك أفرحن بك*** مثل شهر الحرام  

مثل لل يجي مطر*** فرج من تمان سنين.  

 وحول الأبيات المذكورة يفيد “الرميلي” الملاحظ أن بعض ألفاظ القصيدة واضحة، وبعضها غير واضح لغير السقطري، مثل اللفظ (سوكك)، وهو اسم مكان الشاعر الذي وجهت له القصيدة. ومثل اللفظ (أفرحن)، والمقصود به (أفرح). وكذلك اللفظ (لل)، ومعناه (عندما). وهكذا.  

الجدير ذكره وفقا “للرميلي”  أن هذا النوع من الشعر قد يقوله الشاعر في غير المناسبات المشار إليها، كأن يرسل الشاعر قصيدة إلى شاعر آخر، ويكون بينهما أخذ ورد، وهذا النوع الذي لا يلقى في المناسبات لا يلزم فيه ترديد المقطع (هدانه هدانه)؛ لأن هذا المقطع خاص بالصوت واللحن عند الأداء وليس من أصل القصيدة، كما أن هذا النوع تكون فيه القصيدة طويلة، ولا يلزم فيها بيتين فقط كالذي يلقى في المناسبات، ويطلق على هذا النوع من الشعر (طرهر).  

ويشير إلى أن شعراء هذا النوع من الشعر لكل منهم لقبه الشعري الذي يعرف به، والخاص بهذا النوع من الشعر، مثل ألقاب الشعراء (سوكك- عوقهل– حاڜر– دطرهن– شوفهن… )، وهي في الغالب أسماء أماكن الشعراء التي يقطنونها.  

كما أن هناك شعراء يجيدون ألوانا أخرى من الشعر بالإضافة إلى القصيدة، مثل شعر (تنوتر).  

وثمة شعراء لا يجيدون غير نوع شعر القصيدة فقط.  

ويبدي الباحث الرميلي استياءه الكبير من أن هذا اللون من الشعر السقطري بدأ بالانقراض والتلاشي، لافتا إلى أن السبب وراء ذلك هو أن المناسبات التي تقام فيه تغيرت وتبدلت، ولم يعد أحد يهتم بتلك التقاليد وذلك الموروث الجميل. 

اترك تعليقا