قشن برس-خاص
في الثاني من شهر يونيو الماضي، كتب الناشط “محمد أحمد خليفة” في صفحته على موقع “فيس بوك” إن حمل السلاح ظاهرة دخيلة على المجتمع السقطري، وما تراه عيناه في شوارع العاصمة حديبو يبعث في نفسه الأسى والحسرة.
لم يكن يتخيل الشاب الثلاثيني أن تتحول محافظته الجميلة التي لطالما حلم بأن تكون واحة للعلم والسياحة والثقافة إلى بؤرة للصراع، فالمظاهر التي شاهدها في الأرخبيل بعد حوالي 8 سنوات من الاغتراب وطلب العلم في دولة الجزائر عرقلت الكثير من الطموحات التي كان يسعى لتحقيقها في محافظته المسالمة.
ولد محمد خليفة عام 1989م في حارة 14 أكتوبر، إحدى مناطق مدينة حديبو عاصمة الارخبيل، وتلقى دراسته الأساسية والثانوية في مدارس المدينة ذاتها.
وبعد أن أكمل دراسته الثانوية عمل الشاب خليفة في مجال الإرشاد السياحي مع السياح الأمريكيين والغربيين القادمين إلى جزيرة سقطرى؛ أحد أهم الجزر السياحية في العالم.
واكتسب خليفة من خلال عمله في مجال الإرشاد السياحي والذي استمر من العام 2008 إلى العام 2011 الكثير من الخبرات من ضمنها التحدث باللغة الإنجليزية وفن التواصل والعلاقات العامة.
وفي العام 2011 غادر خليفة الأرخبيل الأخضر نحو دولة الجزائر، وتحديداً إلى مدينة قسنطينة؛ لتدشين مشروع تعليمه الجامعي في مجال العلوم السياسية، حتى أكمل دراسة البكالريوس، ثم واصل دراسة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية والتعاون الدولي من العام 2016 حتى 2018.
وقبل أن يلتحق بدراسة الماجستير كتب خليفة مقالا تحدث فيه عن طموحه في الوصول إلى الدبلوماسية العالمية من أجل خدمة اليمن، والترويج لجزيرته ذات المناظر الخلابة والتنوع الحيوي الفريد.
وبعد أن التحق بالتخصص الذي يحلم به في المجال الدبلوماسي سافر خليفة إلى الكثير من الدول، وحضر مؤتمرات دولية، وحاضر في ندوات كثيرة عن جمال أرخبيل سقطرى وحاجتها إلى التنمية والتطور في مختلف مجالات الحياة.
المخيم الصيفي الأول
وكان يسعى نحو تحقيق حلمه في خدمة اليمن وأرخبيل سقطرى، وتعليم الناس وتنويرهم من أجل مستقبل أفضل لجزيرة أهملت ولم تجد حقها في التعليم والتنمية؛ مستعينا بالقدرات والخبرات والمؤهلات التي يحملها وتعلمها خلال مراحل حياته.
ومنذُ عودته إلى الأرخبيل أقام خليفة الكثير من الدورات التعليمية في مجال اللغة والحاسوب، وينظم مهرجانات ومحاضرات توعوية حول البيئة وأهمية الحفاظ عليها، بالإضافة إلى تنظيم مشاريع إنسانية وإغاثية للأسر المحتاجة والفقيرة.
وفي السابع من شهر يوليو الماضي أعلنت لجنة رؤية شباب محافظة أرخبيل سقطرى التي يترأسها عن فتح باب التسجيل في المخيم الصيفي، الذي يعد الأول في تاريخ الأرخبيل لتعلم اللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية لمختلف الفئات العمرية من الذكور والإناث.
تعاطي القات في أوساط المراهقين
وقال خليفة في حوار أجراه معه “قشن برس” إن فكرة المخيم جاءت بعد تزايد أعداد الشباب المراهقين، بين 17 إلى 25 سنة، بالإضافة إلى تزايد المتعاطين للقات.
وأضاف أن “هذه الأسباب دفعتنا لإعلان المخيم الصيفي الذي يهدف إلى تنمية عقول الشباب الناشئ، والتخفيف من ضياع الوقت في مجالس القات”. لافتاً إلى أن تخزين القات ليست من عادات أبناء الأرخبيل.
وتحدث خليفة عن الكثير من المشاكل الاجتماعية التي تحصل بين الحينة والأخرى بسبب القات، والتي من ضمنها ظهور آفات اجتماعية، خاصة بين فئة الشباب والمراهقين.
ولفت إلى أن مدارس الثانوية العامة كانت شبه فارغة خلال الفترات الماضية، بسبب التسرب الكبير لفئة الشباب والمراهقين عن التعليم، والغالبية العظمي منهم اتجهوا نحو الالتحاق بالمعسكرات والبعض منهم قرر ترك الدراسة والجلوس في البيت. مؤكدا في الوقت ذاته أن هذه الظاهرة ستجلب للمجتمع السقطري الكثير من التحديات لثلاثين سنة قادمة. خاصة العملية التعليمية.
وأوضح أن “هذه القضايا دفعتني نحو فكرة طرح المخيم الصيفي، وبحكم دراستي في الجزائر لمدة 8 سنوات والتي تعلمت فيها اللغة الفرنسية، إضافة لإجادتي السابقة للغة الإنجليزية؛ بدأنا المخيم بعمل دورات في اللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية ومهارات الحاسوب واللغة العربية المتقدمة مثل خط المسند والرقعة، إضافة لدورات تقوية في المواد الأساسية العلمية مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء”.
وقال خليفة إن المخيم بدأ في منتصف شهر يونيو الماضي بوضع الإعلانات في الأماكن العامة ومواقع التواصل الاجتماعي، وكان هناك إقبال كبير من قبل الشباب والفتيات. لافتاً إلى أنه يوجد في المخيم الآن 280 طالباً، من بينهم 80 طفلاً وطفلة.
تعاون مجتمعي
وحول تقبل المواطنين لفكرة المخيم ومستوى تعاونهم؛ أفاد خليفة أن المجتمع السقطري يختلف عن المجتمعات الأخرى، لأنه مجتمع بدائي، والمحافظة لازالت ناشئة، وأغلب الأشياء التطوعية مازالت حديثة بالنسبة للإنسان السقطري. لافتاً إلى أن عمله المستمر والدؤوب في التنمية البشرية ساعد بشكل كبير في إقبال الناس على المخيم.
وأوضح أنه لطالما عمل من أجل المجتمع والتنمية والإنسان، بعيداً عن الطابع السياسي والحزبي، وشعاره منذُ نعومة أظفاره هو اليمن الواحد شماله وجنوبه، مما جعل المجتمع السقطري يتقبل أي مشروع يعمله.
وقال الناشط خليفة إن المخيم تلقى الكثير من التعاون، خاصة من قبل الناس البسطاء. لكنه يؤكد أنه واجه تحديات كبيرة تمثلت في امتناع رجال الأعمال والتجار في سقطرى عن دعم النشاط، رغم أن معظم أبنائهم يدرسون في المخيم.
وأضاف أن إدارة المخيم لجأت إلى فرض مبالغ رمزية بمعدل 3500 ريال يمني على كل طالب، من أجل توفير الأدوات القرطاسية، وتخصيص حوافز رمزية للمدرسين.
وأكد خليفة أن القائمين على المخيم قدموا خطابات ورسائل للمواطنين من أبناء الشمال والتجار المتواجدين في سقطرى، واستجاب الكثير منهم، وقدموا بعض المبالغ المالية، بالإضافة إلى الدعم الذي قدمته بعض المطاعم الكبيرة في سقطرى مثل سلسلة مطاعم شبوة ومطاعم حضرموت.
وأفاد خليفة أن الطبقة المتوسطة والطبقة المثقفة قدمت الكثير من الدعم المعنوي للمخيم بالمشاركة في التدريس بدون مقابل مادي.
وحول برنامج المشروع؛ أوضح خليفة أن المشروع يبدأ من يوم الأحد إلى الأربعاء، فيما خُصص يوم الخميس لإقامة محاضرات عامة يجري فيه استضافة شخصيات بارزة في مجال الدين والحاسوب والإسعافات الأولية والتنمية البشرية وفي بناء الذات، وكذلك محاضرات في صناعة البخور وصناعة العطور وفن الطباخة، ومختلف الأنشطة.
كما ينفذ المخيم في كل خميس نزولاً ميدانياً للطلاب في الباصات الخاصة إلى المواقع البيئية والمتاحف والأماكن السياحية.
وأشار خليفة إلى أن هناك مرشداً سياحياً يرافق الطلاب كل مرة، ويعرفهم بالأماكن وأهمية الحفاظ عليها؛ حتى يتولوا في المستقبل زمام الأمور، ويكون لديهم الوعي والتثقيف حول المواقع الأثرية والبيئية والسياحية في الجزيرة.