القبور الوهمية.. مدافن إسرائيلية بلا موتى لطمس هوية القدس
القبور الوهمية مدافن فارغة تزرعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة، وتضع عليها شواهد تحمل أسماء باللغة العبرية رغم خلوها من أي رفات. وتأتي هذه الممارسة ضمن سياسة منهجية تهدف إلى السيطرة على الأراضي الوقفية وأملاك الفلسطينيين في القدس، فضلا عن تزوير تاريخ المدينة، وتغيير هويتها البصرية والثقافية، سعيا لفرض الرواية اليهودية المزعومة على حساب الرواية الإسلامية والعربية الممتدة عبر القرون.
تنتشر هذه القبور بأعداد كبيرة، وتقدر بالآلاف، في مواقع مختلفة من مدينة القدس، خاصة في محيط البلدة القديمة والمسجد الأقصى المبارك، ضمن محاولات لعزل المعالم الإسلامية والمسيحية برموز مصطنعة لا تستند لأي أساس تاريخي موثق.
تاريخ النشأة والتأسيس
بدأ الاحتلال الإسرائيلي عام 1978 بزراعة القبور الوهمية في بلدة سلوان، التي تشكّل الامتداد الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك وخط دفاعه الأول في مواجهة الاعتداءات والمشاريع التهويدية.
ومن سلوان، توسعت هذه السياسة وتضمنت مناطق أخرى في القدس، حينها لجأت سلطات الاحتلال إلى تجريف أراضي الفلسطينيين بزعم إقامتها على مقابر يهودية قديمة، في الوقت الذي تمنع فيه صيانة مئات المقابر الإسلامية التاريخية، بل تعمد إلى تجريف عدد منها.
وقد أكد باحثون مقدسيون أن سلطات الاحتلال زرعت أكثر من 13 ألف قبر وهمي منذ 1978، توزّع نحو 32% منها في بلدة سلوان، لما تمثّله من موقع إستراتيجي ملاصق للمسجد الأقصى ضمن مشاريع تهويد المدينة وتغيير معالمها التاريخية والحضارية.
وتتولى الإشراف على زراعة هذه القبور الوهمية وإقامة الشواهد عليها جهات رسمية وجمعيات استيطانية إسرائيلية متعددة، أبرزها:
بلدية الاحتلال في القدس.
وزارة الخدمات الدينية الإسرائيلية.
سلطة الآثار الإسرائيلية.
جمعية “إلعاد” الاستيطانية.
شركات الدفن اليهودية الخاصة.
الدوافع والأهداف
عمدت المؤسسة الرسمية والجمعيات الاستيطانية في إسرائيل إلى إقامة هذه القبور الوهمية بعد إخفاقها في العثور على آثار يهودية موثقة في المدينة المقدسة، الأمر الذي دفعها إلى اختلاق تاريخ مصطنع لتحقيق جملة من الأهداف، أبرزها:
– السيطرة على الأراضي الوقفية وأملاك الفلسطينيين الخاصة في مدينة القدس.
– التضييق على المقدسيين ومنعهم من التوسع العمراني.
– إحكام السيطرة على المناطق المحيطة بالمسجد الأقصى المبارك، تمهيدا لهدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه.
– تزوير تاريخ القدس وطمس هويتها البصرية والثقافية الإسلامية والعربية على امتداد العصور.
– محاصرة التجمعات السكانية المقدسية وتطويقها من جميع الاتجاهات بهدف دفع السكان قسرا نحو الهجرة خارج المدينة.
– الترويج لادعاءات وجود إرث حضاري وتاريخي يهودي مزعوم في القدس وخاصة في المسجد الأقصى.
– هدم منازل المقدسيين وإغلاق الطرق المجاورة لهذه القبور تحت ذريعة إقامتها فوق مقابر يهودية.
تزييف متقن
تتم عملية إنشاء القبور الوهمية عبر حفر حفرة بعمق 35 سنتيمترا، بقطر 40 سنتيمترا، وتُغرس فيها قضبان حديدية تُصب فوقها طبقة من الإسمنت المسلح. بعد ذلك، توضع على هذه القبور شواهد حجرية قديمة تُجلب من الخارج وتُوزع في أرجاء المقبرة لإضفاء الطابع الأثري عليها.
تحمل الشواهد أسماء يهودية يُدّعى أن أصحابها توفوا منذ زمن بعيد، إلى جانب عبارات مثل “هنا مكان مقدس.. هنا مقبرة يهودية”، إضافة إلى حجارة تحمل رموز الهيكل المزعوم والنجمة السداسية. ويعمد الاحتلال أيضا إلى استخدام مادة البوليسترين في صناعة هذه القبور نظرا لمقاومتها للتحلل مع مرور الزمن.
وتتيح السلطات الإسرائيلية لأي يهودي حول العالم شراء قبر فارغ في القدس، بزعم تخصيصه لأجداده المدفونين خارج فلسطين.
وحسب رئيس لجنة المقابر الإسلامية في القدس، مصطفى أبو زهرة، فإن عمال سلطة الآثار الإسرائيلية يحفرون هذه القبور ويصبون الإسمنت المسلح عليها، ثم يضيفون الحجارة القديمة والطبقة الترابية لتضفي عليها مظهر القِدم، رغم وجود وثائق رسمية لدى دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس تثبت أن هذه الأراضي أوقاف إسلامية خالصة.
انتشار واسع
تتسارع وتيرة انتشار القبور الوهمية في مدينة القدس المحتلة، وتواصل آليات الاحتلال الإسرائيلي بشكل يومي حفر مزيد منها في مواقع عدة داخل المدينة، أبرزها ما يلي:
بلدة سلوان
تنتشر القبور الوهمية في مناطق متعددة من بلدة سلوان، منها وادي سلوان ورأس العامود ومنطقة الشياح. ويزعم الاحتلال الإسرائيلي أن هذه المواقع تحتضن مقبرة تعود ليهود مملكة يهوذا، مدعيا أن المنحدرات الواقعة أسفل البلدة تضم رفات يهود.
وتظهر خرائط بلدية الاحتلال أن نحو نصف سكان حي وادي الربابة، الذين يتجاوز عددهم 700 نسمة، يعيشون على ما تسميه “أنقاض المقبرة”، غير أن سكان الحي يرفضون هذه الادعاءات، مؤكدين عدم وجود أي رفات لليهود في أراضيهم.
كما تزعم مصادر إسرائيلية أن منازل سلوان تذكّر بـ”مدينة داود” القديمة، مشيرة إلى أن المنحدرات الصخرية استُخدمت لنحت مقابر يهودية قديمة، وأن علماء الآثار الإسرائيليين تمكنوا من توثيق نحو 50 مقبرة، بعضها سليم وبعضها الآخر متضرر جزئيا.
وتدعي أيضا أن هذه المقابر تشكل واحدة من أبرز البقايا العائدة لما تُعرف بفترة الهيكل الأول، وأن وجودها كان معروفا منذ أوائل القرن الـ19، لكن الوصول إليها وإجراء أبحاث موسعة لم يصبح متاحا إلا بعد حرب الأيام الستة عام 1967.
إضافة لذلك، تزعم تلك المصادر أن سكان سلوان الأوائل، في القرن الـ15 الميلادي، حوّلوا المقابر إلى مساكن، وفي القرن الـ16، انضم إليهم مهاجرون عرب قدموا من شرق الأردن، فأقاموا منازل وأكواخا فوق الكهوف وفي محيط الموقع.
أما في حي وادي الربابة فيزرع الاحتلال القبور الوهمية فوق مقابر إسلامية تاريخية، كما تتمدد هذه القبور نحو مساحات من أرض “سلودحة” قرب القصور الأموية في الجهة الجنوبية الشرقية من المصلى المرواني.

جبل الزيتون
تنتشر القبور الوهمية أيضا في منطقة جبل الزيتون (الطور) وسفوحه شرق المسجد الأقصى، وتمتلئ المنطقة بآلاف المدافن على مساحة تقدر بنحو 400 دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع)، ضمن ما تُعرف بأنها أكبر وأهم مقبرة يهودية في العالم، وتسمى “هارهزيتيم”.
ورغم الادعاء الإسرائيلي بضيق مساحات الدفن لليهود داخل القدس، تواصل السلطات زراعة مزيد من القبور الوهمية في المنطقة. وقد دُفنت في المقبرة شخصيات إسرائيلية دينية وسياسية بارزة، منها الكاتب أليعازر بن يهودا، والحاخامان أبراهام كوك وعوبديا بيرتينورو، ورئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن.
تتسع رقعة المقبرة يوميا من دون وجود جنائز فعلية أو عمليات دفن حقيقية، إذ تحفر آليات الاحتلال القبور وتصب الإسمنت داخلها، ثم تُثبت عليها شواهد تحمل كتابات باللغة العبرية، في محاولة لإضفاء طابع الدفن الفعلي عليها.
ويرى اليهود في الدفن وشراء قبور وهمية بهذه المنطقة فضائل عدة، إذ يدعي مركز معلومات “مدينة داود” الاستيطاني مثلا أن “اليهود الذين دفنوا في مقبرة جبل الزيتون سيكونون أول من يُبعث من الأموات يوم القيامة، ولن تتحلل أجسادهم، وسينفخ في قرن الكبش من على جبل الزيتون معلنا قيام الساعة”.
كما درج الزوار اليهود على جمع تراب من المقبرة لنثره فوق قبور ذويهم المدفونين في الخارج، اعتقادا منهم بأن هذا يجلب البركة ويعزز قدسية القبور.

وادي جهنم وقرية دير ياسين
يعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى إقامة القبور الوهمية في المناطق الملاصقة للسور الشمالي للمسجد الأقصى، وتحديدا في وادي قدرون المعروف أيضا بـ”وادي جهنم”.
ويزعم الاحتلال أن هذا الوادي يحتضن قبور عدد من أنبياء بني إسرائيل، ضمن ما يسمى بـ”طنطور فرعون” و”مقبرة الأنبياء”.
وتستمد المنطقة أهميتها في الرواية الإسرائيلية من قربها من الحي اليهودي في البلدة القديمة والجدار الشرقي لما يطلقون عليه “جبل الهيكل” المزعوم مكان المسجد الأقصى المبارك، كما يعتقد اليهود أن هذا الوادي سيكون الممر الذي يعبره “المسيح المخلص” في آخر الزمان.
وبالموازاة مع ذلك، أنشأت سلطات الاحتلال مقابر اصطناعية في أنحاء مختلفة من القدس، أبرزها المقبرة المشيدة على أراضي قرية دير ياسين غرب المدينة.
استغرق بناء هذه المقبرة نحو 4 سنوات، وبتكلفة قاربت 55 مليون دولار. وتضم 25 ألف قبر، وزعت على 4 طوابق داخل الجدران، يمكن الوصول إليها بمصاعد كهربائية.
وتروج مؤسسة “كديشاه” لخدمات الدفن، التي أشرفت على تنفيذ المشروع، أن طريقة الدفن العمودية هذه مستوحاة من ممارسات الدفن التي كانت معتمدة فيما يسمى “الهيكل الثاني”، وفق الرواية اليهودية.

فعاليات احتجاجية
ينظم المقدسيون بين الحين والآخر فعاليات احتجاجية رفضا لسياسات الاحتلال الإسرائيلي الرامية إلى تكثيف زراعة القبور الوهمية في القدس.
وتشمل هذه الفعاليات إقامة صلوات الجمعة في الأراضي المهددة بالمصادرة، إلى جانب تنظيم اعتصامات تلقى فيها كلمات تؤكد أن هذه الممارسات تهدف إلى تزوير التاريخ وفرض وقائع زائفة للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وتهويد المدينة.
المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية